ضحايا العبور الآمن من الجهاز الكامن !
ضحايا العبور الآمن من الجهاز الكامن !
فيصل الباقر – مدارات
أصبح من المألوف تعرُّض أىّ سودانى/ة، بما فى ذلك أصحاب الجنسيات المزدوجة وحملة الجوازات الأجنبيّة، مسافر/ة من الفئة العمرية تحت الثلاثين سنة، لمُضايقات وتوقيفات تتم بصورة عشوائية، عند المغادرة بمطار الخرطوم – ومنافذ أُخرى- عبر تحقيق أمنى سخيف، بحُجّة و تحت ستار إثبات عدم ( الداعشية)، أو منع الإلتحاق بالحركات الإسلامية الجهادية، تقوم به الأجهزة الأمنية، كواحدة من شروط السماح بالمغادرة، وقد يصل التحقيق والتحرّى لمرحلة مُطالبة المسافر/ة للإتصال بالوالد/ة حتّى تتأكّد الدولة ( الشفوقة) وتطمئن أفئدة أجهزة أمنها (الحنونة )، من علم ومعرفة وتأكُّد الأسرة بوجهة فلذة كبدها المسافر/ة، وقد يحدث مثل هذا الإجراء – ربّما – ” الإحترازى ” فى تقدير الدولة، و” التعسفى ” والمناقض للدستور الذى يكفل الحق فى التقل والسفر، لكل مواطن/ة، فى رأى كاتب هذا العمود، فى سفريات تُقلع طائرتها من الخرطوم فى الساعات الأولى من الصباح، ويكون الأباء والأمّهات، و” أولياء الأمور”، قد ودّعوا فلذات أكبادهم/ن، وتمنّوا لهم/ن سفراً سعيداً وعوداً حميداً، وخلدوا للراحة، وشبعوا نوماً، ليرن جرس الهاتف بعد منتصف الليل، فتكون المفاجأة، أسئلة أمنيّة باردة، يقذف بها المُحقّق الأمنى فى وجوه الأباء والأمهّات، لا تغنى ولا تسمن من جوع، والغريب أنّ هذه ( الرقابة البعدية ) أو ( اللاحقة )، تتم بعد أن يحصل المسافر/ة على وثيقة ” الإستيفاء “، وعلى بُعد خطوات قليلة من ” دق” ( الختم الأخير) فى جواز المُغادرة/ة، ولن أكون مُبالغاً، إن قلت أنّ هذا الإجراء بالتوقيف والتحقيق المُعيب يعتمد على ” الفراسة ” – أى فراسة العنصر الأمنى- وعلى الصدفة، التى قد ” تخيب ” أكثر ممّا ” تجيب”، ولا أريد أن أزيد أنّ ( الدواعش )، وبخاصّة أبناء وبنات ( المصارين البيض) لهم/ن ظهور تحميهم وترتّب لهم/ن إجراءات (العبور الآمن)، من الرقيب الأمنى (الكامن )، وهناك ” شبكات ” مازالت الأجهزة الأمنية مُطالبة بالكشف عنها، للرأى العام المحلى والعالمى، وهذا ما أثبتته السوابق المكشوفة، أوالمُعلن عنها، ممّا يجعل أنّ المسافر/ة العادى/ة وحده/ا هو/ى الضحية الحقيقية، لهذه الإجراءات التعسفية العقيمة.
ويبقى – من قبل ومن بعد – أنّ التعويل على الحلول والإجراءات الأمنيّة، فى المطارات وغيرها من النقاط والمنافذ الحدودية البحرية والبريّة ، ليست هى الحلول الأنجع والأجدى والأنفع، فالتطرف والإرهاب الفكرى والدينى، ومنع الإلتحاق بالجماعات التكفيرية، سواء كانت (داعش) فى ” الشرق الأوسط ” أو (الشباب ) فى الصومال، أو ( بوكو حرام ) فى غرب أفريقيا، لا يُعالج بالـ(تشدّد) الأمنى، عبر لعبة العثور على ( الكنز المفقود ) فى المطارات، مهما اشتدّت القبضة الأمنيّة، لأنّ تغذية الفكر الجهادى، ومدّه بالكادر البشرى، أصبح ظاهرة عالمية، لها جذور وفروع ثقافية واقتصادية وسياسية واجتماعية معروفة، و مناهضتها تحتاج وتنتظر عمل فكرى مُتكامل، تُشارك فيه المجتمعات، وليس بمُجرّد انتظار ( الصيد الثمين ) فى صالات المغادرة، فى المطارات!.
مصداقية الدولة السودانية، و ” الإنقاذية ” بالتحديد، فى المساهمة فى عدم ( تشوين) بؤر التطرف الجهادى، بالكادر البشرى، لا تتأتّى بهكذا إجراءات شكلية، فالسودان بحكمه الراهن، ومنذ أكثر من عقدين من الزمان، بلا شك هو ” حاضنة ” كُبرى للتطرف الدينى والفكر التكفيرى والسلفية الجهادية، وهذا وذاك، هو حصاد غرس (شجرة ) المشروع الحضارى، فى أرض السودان، ونتيجة موضوعية، لسياسات وممارسات دولة ( التمكين ) وانتشار سرطان الفساد فى كُل خلايا الدولة الأمنية .
نستطيع أن نُجزم، أنّ مُحاربة حركات وأفكار التطرُّف والفكر التكفيرى و” السلفية الجهادية”، لن تتأتّى بمثل هذه الإجراءات الأمنية العبيطة، بل، بإعمال الفكر والفكر النقدى، وتحتاج لجهود كل المجتمع، والإستفادة من طاقاته الخلّاقة، فى إشاعة الفكر الديمقراطى، وفتح الأبواب المغلقة أمام حرية الصحافة والتعبير، وتجسيد حرية العقيدة والمعتقد والفكر والضمير، ولا يُمكن أن يحدث ذلك، فى دولة، تتركّز مهمة أجهزتها الأمنية، الأولى والأخيرة، فى إغلاق مراكز حقوق الإنسان، و تجميد رُخص مؤسسات الوعى والإستنارة، ومنع حركات الفنون والآداب، والتضييق على جماعات ومنابر ثقافة السلام ونبذ العنف، ونشر وتكريس خطاب الكراهية، وقمع الصحافة وحرية التعبير، ومعاداة مدافعى ومدافعات ونشطاء وناشطات حركة حقوق الإنسان. فإن كنتم تنشدون محاربة التطرُّف – بحق وحقيقة- فاوقفوا هذا الصلف الأمنى البغيض، وأرفعوا وصايتكم و قبضتكم الأمنية، عن المسافرين والمسافرات يا هؤلاء..وارحلوا- أنتم – عن وطننا واتركوا شعبنا، يُحدّد هويته ومصيره، وشبابنا يمارس حريته، بما فى ذلك حرية التنقل والسفر، دون وصاية أمنية…ومهما طال أجل دولة قمعكم، سيذهب فى نهاية الشوط مشروعكم الحضارى، الذى هو مشروع وهوس تكفير الدولة والمجتمع، وحتماً، سيذهب زبدكم وزبد التطرف الجهادى جفاء، ويبقى ما ينفع الناس.