بياناتتقاريروثاق

خطة تشريد نازحيّ دارفور… جريمة جديدة لمأساة مستمرة

تقرير صادر عن المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً حول برامج الحكومة السودانية لتفكيك معسكرات النازحين

11 يناير 2016

ملخص: شهدت الاشهر الاخيرة من 2015 تزايد مطرد لمختلف أشكال العنف في إقليم دارفور. إلا أن متلازمة (الإرهاق من/ الفتور تجاه دارفور) ، والتي تعنى تراجع اهتمام مختلف الفاعلين بالكارثة الإنسانية المستمرة والإنتقال للإهتمام بقضايا أخرى سودانيا وإقليميا، مع ترك ميدان القضية الإنسانية، شبه محتكر لمبادرات وخطط النظام الحاكم في الخرطوم لن يؤدي سوى لتعميق الأزمة في دارفور. إن الخطة التي تعمل عليها الحكومة السودانية حاليا لتفكيك معسكرات النازحين، وهي ليست بجديدة، تنذر بتفاقم الازمات الإنسانية، وتفتح المجال لإرتكاب المزيد من الجرائم ضد المواطنين النازحين لتضاف إلى سجل مآساتهم المستمرة.

تقديم

دأبت الحكومة السودانية مؤخراً على استغلال ظاهرة انحسار الاهتمام الدولي والإقليمي بمأساة ومترتبات الحرب الدائرة في دارفور منذ العام 2003، وتوظيفها  لما اصبح معروفا  بظاهرة (الإرهاق من/ الفتور تجاه دارفور)، بإرتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين. وفيما تشهد الوقائع على الأرض ازدياداً مطرداً في حجم الجرائم المرتكبة في الإقليم، تدفع الحكومة السودانية بجهودها الدبلوماسية والإعلامية للادعاء بأن  الحرب في الإقليم قد إنتهت. ولا تتوقف جهود الحكومة السودانية عند حدود الادعاءات السياسية فحسب ولكنها تمتد لإستهداف النازحين في معسكرات النزوح المنتشرة في الإقليم وذلك عبر السعي لتفكيكها وفرض واقع جديد على الأرض،  يتيح للحكومة الإفلات من الرقابة الدولية وبالتالى يضع هؤلاء النازحين رهينة ، بيد الحكومة وحزبها الحاكم، لفرض اجندتها السياسية والأيدولوجية، ولتعزيز المواقف التي تساعدها في تفاوضها مع الحركات السياسية المسلحة. هذا التقرير يستعرض الاستهداف المنهجي الجاري حاليا للنازحين في مختلف معسكرات نزوحهم بغرض تصفيتها، كما يحاول التقرير الموجز الكشف عن اهم مظاهر وأسباب هذا الإستهداف ضد نازحيّ حرب دارفور.

وفقا لتعريفات الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية فان النازحين هم: “الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين اضطروا أو أجبروا على الفرار أو على ترك منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة، نتيجة أو سعيا لتفادي آثار النزاعات المسلحة أو حالات العنف الجماعية أو انتهاكات حقوق الانسان أو الكوارث سواء إن كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، من الذين لم يعبروا الحدود المعترف بها دوليا “.  وتضمن مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالنزوح، الحق للنازحين في تلقي العون الإنساني للغذاء والدواء والمأوى، والحق في الحماية من الأذى البدني ومن أثار العنف، بالإضافة الي تأكيد حقوقهم في حرية التنقل الطوعي وحقوقهم في المشاركة السياسية والعمل المدني.

نائب الرئيس السوداني: الثور في مستودع الخزف

في ديسمبر 2013، قام الرئيس عمر البشير بتعيين حسبو محمد عبد الرحمن كنائب ثاني له بمؤسسة رئاسة الجمهورية وأوكل إليه، ضمن مهامه الرئاسية، المسؤولية الكاملة للإشراف على وضع معالجات لأزمة دارفور. ويعتبر حسبو عبدالرحمن ممن فرغتهم الحركة الإسلامية حتى قبل إنقلابها في 1989 للعمل حول قضايا الإقليم، حتي مرحلة تقنين وبروز مهامه الحكومية بصورة رسمية. فقد عمل منذ اندلاع أزمة دارفور مسئولاً عن العون الإنساني في إقليم دارفور، وممثلا للسودان لدي مجلس حقوق الإنسان بجنيف، ومسئولا عن ملف حقوق الانسان بوزارة الشئون الإنسانية قبل أن يتولى مقاليدها كوزير للشئون الإنسانية في العام 2005 وحتى 2009 (وهي الوزارة المسئولة عن الإشراف على منظمات المجتمع المدني وعمل حقوق الإنسان وملف العون الإنساني عبر مفوضية العون الإنساني، والمشهورة بأنها الذراع الأمني للسيطرة على العمل الطوعي). شهدت فترة تولي حسبو محمد عبدالرحمن قيادة العمل الإنساني، هجمات عسكرية ممنهجة أستهدفت  معسكرات النازحين (على سبيل المثال الهجوم العسكري على معسكر كلما والذي قتلت فيه القوات الحكومية عشرات النازحين قبل أن تحاول تفكيك المعسكر بالقوة الجبرية لاحقاً). أيضا شهدت فترته كوزير طرد الحكومة لمنظمات الإغاثة الإنسانية العالمية العاملة في دارفور والتي كانت تتولى تقديم ما يقرب من  80% من العون الإنساني في الإقليم، هذا بالأضافة  لأستهداف المنظمات الوطنية العاملة على أزمة دارفور وإغلاق عدد منها مثل المنظمة السودانية للتنمية الاجتماعية( سودو)، و مركز الخرطوم لحقوق الانسانوالتنمية، ومركز الأمل لمساعدة وتأهيل ضحايا العنف).

ومنذ توليه لمنصب النائب الثاني لرئيس الجمهورية في 2013، ظل حسبو يصرح بانتهاء الحرب في دارفور في مغالطة إعلامية للواقع. فقد دفع استمرار الهجمات العسكرية فى عام 2014 ، من قبل قوات الحكومة و المليشيات التابعة لها،  ببعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المشتركة إلى دارفور للإعراب عن تزايد القلق من تصاعد أعمال العنف في دارفور، والتي لا تعكس تصريحات نائب الرئيس بإنتها الحرب، مشيرة البعثة إلى ارتفاع عدد النازحين بأكثر من 215 ألف نازح جديد خلال ثلاثة أشهر. وقد أشارت تقارير البعثة الاممية تحديدا لقلقها المتزايد من أنماط العنف الجديدة التي ترتكبها مليشيات ما أسمتها القيادات الحكومية بقوات الدعم السريع. وفى  ذات العام، وتحت الإشراف المباشر لنائب الرئيس حسبو عبدالرحمن، بدأت الحكومة السودانية في مطالبة البعثة الدولية بمغادرة إقليم دارفور، وهي الأصوات التي أخذت تتعالى بعد الكشف عن جرائم الاغتصابات الجماعية في قرية تابت في أكتوبر 2014. وتبرر الحكومة السودانية إصرارها على خروج البعثة الدولية من دارفور، على لسان وزير الخارجية إبراهيم غندور ، بأن دارفور تشهد حالة من السلام وعودة للنازحين مما يتطلب مغادرة البعثة لإنتفاء اسباب وجودها. وفي ذات السياق الداعم لتصريحات ومطالبات وزير الخارجية غندور، أعلن نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن قبل أسابيع من الان في 28 ديسمبر 2015 تأكيد وعزم الحكومة على إكمال إغلاق كافة معسكرات النازحين بدارفور خلال العام 2016 الجاري،  مطالباً النازحين بترجيح أحد خيارين،  إما الموافقة على التوطين أو العودة للمناطق الأصلية. واصفاً المعسكرات بانها “منقصة كبيرة” فى إشارةة الى أنها تهدر كرامة وأنسانية  النازحين.

تصريحات، بل وتهديدات، نائب الرئيس حسبو محمد عبدالرحمن حول إكمال عملية إغلاق كافة معسكرات النازحين، وزياراته المستمرة والمكثفة لمدن وأرياف دارفور خاصة خلال الأسابيع المنصرمة تكشف عن إصرار وإستمرار نائب الرئيس في تنفيذ ذات الأجندة التي ظل يعاني منها، وتتعارض مع مصالح، وتنسف استقرار مواطني دارفور على مدى أكثر من عقد من الزمن. وهي ذات الاجندة والمهام التي قام على تنفيذها بإخلاص إجرامي حسبو محمد عبدالرحمن منذ ان كان ضابطا إداريا صغيرا بالإقليم، مرورا بكافة مهامه التنظيمية والحكومية على رأس العمل الإنساني والحقوقي، حتى بلوغه منصب النائب الثاني لرئيس الجمهورية.

2015 عام الحرب الصامتة في دارفور

بالرغم من الادعاءات الحكومية المتواصلة بانتهاء حالة الحرب في دارفور وان الإقليم يشهد استقراراً تاماً في الفترة الحالية، إلا أن واقع الحال يكذب هذه الادعاءات. وكما جاء في مستهل التقرير أعلاه، فإن الحكومة السودانية تستغل إلى أقصى درجة ظاهرة (الإرهاق من/ الفتور تجاه دارفور) وتدني مستويات الاهتمام والمتابعة لدولية والإقليمية بما يحدث في دارفور-وهي الظاهرة التي مع الأسف يروج لها المجتمع الدولي ذات نفسه-، حيث تعمل السلطات الحكومية بجهد كبير في بث وتثبيت مثل هذه الإدعاءات غير الحقيقية حول انتهاء الحرب في دارفور وبدء حقبة الإستقرار والتنمية في الإقليم.

وأبلغ وأقرب مثال حي في تكذيب الإداعاءات الحكومية بتحقيق الأمن والسلام هو ما شهدته مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، من إطلاق للرصاص الحي من قبل القوات الحكومية على أوجه المدنيين الأبرياء من المعتصمين سلمياً بالمدينة هذا الاسبوع في العاشر من يناير 2016 وقتل نحو عشرة من المواطنين وإصابة العشرات من سكان المدنية والقرى المجاورة لها، وذلك بعد ان أحرقت المليشيات التابعة للقوات الحكومية قرية (مولي) بالكامل وشردت اهاليها نحو مدينة الجنينة.

وتأتي موجة العنف الحالية في سياق خطة متكاملة ومترابطة تشمل حلقاتها تفكيك المعسكرات وتشريد النازحين وقيام الإستفتاء الإداري للإقليم وفرض سلام جزئي يتم تثبيته بالإرهاب والعنف. وتعود هذه الخطة الى تاريخ إنفضاض جول المفاوضات الأخيرة حول وقف العدائيات بالإقليم بين الحكومة السودانية وحركتيّ العدل والمساوأة وحركة تحرير السودان- مني مناوي في 23 نوفمبر 2015، وتعنت الحكومة السودانية حينها من الوصول الى أي إتفاق، ومن إعلان وزير الدفاع السوداني عن إعادة نشر القوات وشن الحرب في جميع جبهات القتال، ليقوم بعدها نائب الرئيس حسبو عبدالرحمن بتدشين مرحلة تفكيك المعسكرات وإعادة تشريد النازحين، توطئة لعملية الإستفتاء بدارفور.

لقد شهد العام 2015 استمراراً للعنف والإنتهاكات في دارفور بذات الوتيرة المتصاعدة في العام الذي سبقه. حيث أعلنت وكالة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في السودان (أوتشا) في فبراير 2015، عن نزوح أكثر من 41000 نازح جديد من منطقة شرق جبل مرة وحدها، و ذلك هرباً من القصف الجوي الحكومي على المنطقة. كما أكدت الوكالة في نشرتها الدورية، انه نسبة لعدم قدرتها للوصول للعديد من المناطق فى جبل مرة وبالتالي عدم مقدرتها على التقدير الدقيق لعدد النازحين و إحتياجاتهم، فان العدد الكلى ربما يكون أكبر من ذلك بكثير . واكدت وكالة الأمم المتحدة إلى  تحققها من بلوغ العدد الكلي للنازحين جراء الحرب في دارفور إلى المليونين ونصف المليون نازح(ة)، وذلك بعد  نزوح نحو 233 ألف نازح جديد خلال عام 2015  وقبل بداية العام الحالي.

أكمل العام 2015 المنقضي قبل أيام دورته بإستمرار هجمات قوات الدعم السريع والقصف الجوي من قبل الجيش السوداني على قرى المدنيين في دارفور، خاصة تركيز الهجمات على مناطق المزارعين في وسط وجنوب دارفور، بما فيها عمليات إحراق المحاصيل ونهب المواشي، وغيرها من ممارسات عنف وإجرام تجاه المدنيين والنازحين  خلال ذات العام تنذر بمجاعات تهدد كل سكان الإقليم. كما أعلنت عدة وكالات إغاثة عالمية عن عجزها عن  الاستمرار في تقديم الدعم الغذائي لحوالي 122 ألف نازح ونازحة في الإقليم منذ نوفمبر الماضي بسبب تصاعد رقعة العنف. وهو ما أكدته وكالة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية خلال شهر ديسمبر المنصرم عن استمرار الهجمات على 34 قرية خلال أسبوع واحد من ديسمبر 2015 في محلية كتم بشمال دارفور، مقدرة عدد المتأثرين بهذه الهجمات ونزوح بما يقارب العشرة الأف من المدنيين قبل أسابيع فقط من الان.

إن ادعاءات الاستقرار والسلام الوهمي، وإمكانية العودة الطوعية للنازحين وغيرها مما تنعق به الدعاية الحكومية عبر النشاط الكثيف لمختلف القيادات والهيئات الحكومية والموالية للحزب الحاكم في بث وتثبيت مثل هذه الادعاءات غير الحقيقية حول انتهاء أمد الحرب في دارفور وبدء حقبة الاستقرار والتنمية في الإقليم، هذه الادعاءات، في عدم مصداقيتها، شأنها شأن الحديث عن (الإرهاق من/ الفتور تجاه دارفور) الذي يتدثر به المجتمع الدولي والإقليمي حالياً، حيث لا يمكن لمثل هذه الادعاءات الكاذبة من تغطية الشمس وحجب أطول كارثة إنسانية مستمرة في التاريخ المعاصر، يظل شهودها الأحياء الملايين من نازحيّ ولاجيّ دارفور داخل وخارج السودان.

تفكيك المعسكرات: عودة طوعية أم جريمة تهجير قسري جديدة

أثارت تصريحات النائب الثاني حسبو محمد عبدالرحمن وتحركاته مؤخرا بدارفور، عن عزم الحكومة على تفكيك كافة معسكرات النازحين خلال عام 2016 ، العديد من  ردود الأفعال ، إلا أن  أبرزها جاء من قبل كيانات ومؤسسات النازحين الحقيقية، وليس المصنوعة حكومياً. حيث أعتبر النازحون ان خطة تفكيك معسكرات النزوح وتشريدهم من جديد بأنها  تمهيد لارتكابمجازر إبادة جماعية جديدة. وشددوا على ان خطط تفكيك المعسكرات ليست بالجديدة باعتبارها تقف شاهدة على الجرائم التي ظلوا يتعرظون لها على مدى سنوات. حيث طالب النازحون في رد فعلهم على حديث وبرنامج نائب الرئيس حسبو، طالبوه بإزالة جذور وأثار مشكلة النزوح أولا قبل الحديث عن تفكيك المعسكرات. فقد خرج مؤتمر النازحين الذي عقد  في الأسبوع الأول من يناير 2016، بمعسكر كلمة وحضره ممثليين  لقيادات النازحين  من كافة المعسكرات الأخرى ، خرج  رافضاً لخطط الحكومة الرامية لتفكيك المعسكرات أو إعادة تخطيطها مشترطآ  ان عودة النازحين لمناطقهم الأصلية لا تتم سوى باستعادة الأمن وتفكيك المليشيات الحكومية التي تداوم الهجوم على قراهم. وكذلك تبنى المؤتمر عدة توصيات ترفض التلاعب بحقوق النازحين المعروفة. كما طالبوا،  قبل طرح خطط العودة الطوعية، بالتعويضات الفردية والجماعية لخسائر النازحين، وحل مشكلة المستوطنين الجدد فى أراضيهم التى نزحوا منها، وعودة القرى إلى أصحابها الأصليين. كما طالب مؤتمر النازحين المنعقد في الإسبوع الاول من يناير الجاري الهيئات الدولية والإقليمية المعنية بشأن دارفور (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن)  الى بذل المزيد من الجهد والالتزام بقرار الأمم المتحدة الخاصة بحماية المدنيين. وأشاروا إلى ضرورة تعديل دور يوناميد من بعثة حفظ سلام، إلى بعثة صنع السلام “لأنه لا يوجد سلام في دارفور  فى الأساس للحفاظ عليه”. ووضع المؤتمر توصيات بضرورة السماح لمنظمات الإغاثة الدولية الكبرى والتي كانت بالإقليم بالعودة مشيراً للدور الكبير الذي كانت تلعبه في تخفيف أثار الحرب.

ومن المهم الإشارة هنا الى التجارب والخبرات السيئة للنازحين مع مخططات تفكيك المعسكرات وتشريد النازحين بدارفور، وهو ما ظلت تطلق عليه السلطات الحكومية بخطط العودة الطوعية فيما مضى من سنوات. فقد تعرضت عائلات النازحين للعديد من الهجمات من قبل المليشيات الموالية للحكومة سواء في طريق العودة أو بعد عودتها و الاستقرار في قراها الأصلية، مما إضطرها للخوض من جديد فى نفس تجربة النزوح القاسية والعودة للمعسكرات. و كمثال لحالات النزوح المتجدد أو المتكاثر ما تعرضت له فقط منطقة حمادة شرق منواشي في ولاية جنوب دارفور فى عام 2014 من هجمة تأديبية من قبل المليشيات الحكومية قٌتل فيها 15 من المدنيين.  وفي يوليو من نفس العام، تعرض النازحين الذين عادوا في اطار نفس البرنامج الي منطقة هشابة بجنوب دارفور الي هجوم من قبل نفس المليشيات في الأسبوع الأول لعودتهم إلي المنطقة. وفرضت مليشيات رعوية مسلحة دفع (اتاوات) على النازحين العائدين، وهاجمت مزارعهم في قرى (ارضة شوق ، ومطاوى ، ومرقوبة ) بولاية شمال دارفور. كما  هاجمت في منطقة (ارولا) بولاية وسط  دارفور مليشيات موالية للحكومة النازحيين العائدين وقامت بنهب المواد الغذائية والخيام والمشمعات والبذور المقدمة لهم من منظمات العون الإنساني بغرض الزراعة للإكتفاء الذاتي.

إن تفضيل النازحين للبقاء في معسكرات النزوح المنتشرة بدارفور ليس لما بها من رفاهية أو إستمراء لحياة المخيمات بما فيها من بؤس وعنت، بل يعود فى الأساس إلى حالة الأمان النسبي الذي توفره لهم تلك المعسكرات من هجوم القوات الحكومية وميلشياتها والقصف الجوي، هذا فضلاً عن الرقابة المفروضة على المعسكرات من قبل المنظمات الدولية والإقليمية العاملة في المعسكرات والبعثة الأممية. وبالتالى فأن السعي لتفكيك المعسكرات والتشريد المجدد للنازحين يضعهم أمام خطر تواصل الإنتهاكات والعنف من قبل المليشيات التابعة للحكومة وهجمات القوات النظامية، كما يعرضهم مرة أخرى لسلسة جديدة من الجرائم الجسيمة ضمن مآساتهم الإنسانية المستمرة.

غض النظر عن نجاح او فشل السلطات الحكومية في تنفيذ خطة تفكيك المعسكرات وإعادة تشريد النازحين بدارفور، فإن ما تقوم به قيادات الدولة والحزب الحاكم في السودان حالياً، مستغلة و/أو موظفة لحالة (الإرهاق من/ الفتور تجاه دارفور) من قبل المجتمع الدولي، تندرج هذه التحضيرات والممارسات ضمن الجرائم التي عرفها القانون الدولي بالتهجير القسري، والذي على يشمل كل” ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة”. فإجبار النازحين على ما يسمى بالعودة وإخلاء معسكرات النزوح ضد إرادتهم ورغبتهم يدخل بالضرورة ضمن هذا الإطار العام في تعريف جريمة التهجير القسري.

إستفتاء دارفور، تفكيك المعسكرات وتغيير الخارطة السكانية

فى الوقت الذى أعلن فيه الرئيس البشير فى  أكتوبر في العام الماضي على عزم حكومته على إقامة استفتاء حول الوضع الإداري لولايات دارفور في أبريل المقبل، كأحد استحقاقات اتفاقية الدوحة، إستبق نائبه حسبو عبدالرحمن نتائج الاستفتاء قاطعا باستحالة عودة دارفور لنظام الإقليم الواحد، مشدداً على قيام الإستفتاء في موعده. يذكر بأن المطالبة بالعودة لنظام الأقليم الواحد  هو في دارفور بدلاَ عن الولايات الخمسة الحالية، والتي ظلت تتكاثر كل عام تلبية للؤلاءات القبيلة التابعة للحزب الحاكم، ظل هذا الطلب السياسي هو الموقف الذي ظلت تفاوض حوله معظم الحركات السياسية المسلحة ذات القاعدة الإجتماعة بالإقليم. فليس من مصلحة الحزب الحاكم السياسية إجراء هذا الإستفتاء في ظل ظروف موضوعية ونزيهة لا تتحقق سوى ببلوغ سلام عادل وشامل في دارفور، وفي كافة مناطق الحروب بالسودان. عليه، تندرج سياسة وخطط تفكيك وتفريغ معسكرا ت النزوح وعملية التوطين القسري للنازحين، وأهمية الإسراع بهذه المهمة كما هو واضح من قيادة النائب الثاني للرئيس لها، تندرج ضمن عملية تغيير وإعادة توزيع الخارطة السكانية بدارفور، وذلك بالقدر الذي يؤثر على نتائج ذلك الإستفتاء ويحقق المصالح والأجندة السياسية والجهوية والأيدولوجية للحزب الحاكم وحلفائه، خاصة فيما يتعلق بقضايا ومجرى الصراع في دارفورمستقبلاً.

إن قيام استفتاء دارفور في هذه الظروف و بهذه العجاله يوفر للحكومة السودانية المناخ المناسب للتلاعب بنتائجه من خلال التلاعب باعداد النازحين واماكن إقامتهم، مثلما قامت بذلك من قبل في انتخابات 2014 وحديثها عن  عودة 80 الف نازح الي قراهم الأصلية في اطار العودة الطوعية وتاكيد مشاركتهم في تلك الإنتخابات، وهي العودة التي كذبها عدد من تقارير مستقلة نفت حدوث ذلك.

إن الإستعجال والحركة الدؤوبة وإعلان مدة الخمسين يوماً خلال تصريحات نائب الرئيس حسبو محمد عبدالرحمن لإنطلاقة خطط تفكيك المعسكرات وتشريد النازحين يمكن، بل يجب فهمها في سياق الإستعجال في إجراء إستفتاء الإقليم كما نصت عليه وثيقة الدوحة للسلام في ابريل القادم. قيام الإستفتاء ليس إلتزاماً من الدولة بإتفاق سلام غير موجود على الأرض بعد رفض منظمات سياسية معتبرة للوثيقة وعدم تحقيقها للأمن الذي وعدت به، بقدرما يأتي الإستفتاء إستباقاً لأي تغيرات في موازين القوى السياسية بالإقليم في حالة حدوث سلام عادل ودائم بدارفور، ومن ثم تصبح أهم عملية سياسية في دارفور- الإستفتاء على الإقليم الواحد- قد افرغت من محتواها وما يمكنها تقديمه لمواطنيّ الإقليم في مقابل تحقيقه فقط لمصالح وتوجهات الحزب الحاكم.

خاتمة

إن النزوح هو الظاهرة الأبرز للإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما يمثل أكثر صور تمظهرات المآساة الإنسانية التي تمت ولا تزال مستمرة في إقليم دارفور. إن معالجة أزمة النزوح والنازحين لا يمكنها ان تتم إلا من خلال تحقيق السلام العادل والنهائي والشامل وذلك ببحث ومعالجة جذور أزمة الحرب في دارفور، وغيرها من مناطق الصراع في السودان، وفي القلب من هذه الجذور قضية العدالة والمحاسبة على ما تم إرتكابه من جرائم جسيمة وإبادات جماعية في حق النازحين وأهلهم.

إن فشل كافة الخطط والمحاولات السابقة للحكومة السودانية لتفريغ وتفكيك معسكرات النزوح على مدى سنوات، ومايعتري المحاولة الحالية من فشل بقيادة نائب رئيس الجمهورية- لما تحتويه لذات الإداعاءت الزائفة السابقة من إستقرار وسلام وهمي و عودة كاذبة النازحين- تكشف هذه الخطط بجلاء عجز التدابير التي وضعتها وثيقة اتفاق سلام الدوحة فى  مخاطبة جذور أزمة دارفور وبالتالي فشلها في بلوغ أدنى مراتب السلام النسبي في الأقليم.

إن الخطة التي تعمل عليها الحكومة السودانية حاليا لتفكيك المعسكرات وإعادة تشريد النازحين بدارفور، وهي ليست بجديدة، تنذر بتفاقم الازمات الإنسانية، وتفتح المجال لإرتكاب المزيد من الجرائم ضد المواطنين النازحين لتضاف إلى سجل مآساتهم المستمرة. لذا من الواجب على القوى السياسية والمجتمع المدني السوداني المستقل الوقوف مع ودعم اصوات النازحين ومطالبهم المشروعة في التصدي ومقاومة مشروع تفكيك المعسكرات وإعادة تشريد نازحيّ دارفور، ووقف العنف قبل ذلك، وذلك بجعل أزمة النازحين في دارفور هي ازمة وقضية كافة السودانيين، وخاصة قواه الفاعلة من اجل التغيير.

إن تفاقم الأزمة الإنسانية وتزايد العنف في دارفور، ونذر الجريمة الجديدة الجارية حالياً حول قضية النازحين، تتطلب من المجتمع الدولي والإقليمي التخلص مما اقعد بفاعليته، وتدثره بمقولات (الإرهاق من/ الفتور تجاه دارفور). ويشمل ذلك الإستسلام شبه التام لبعثة اليوناميد لكل تشترطه وتضغط من اجله الحكومة السودانية، بما فيها تهاونها مع سعى الحكومة السودانية في إنهاء مهام البعثة. فهكذا مواقف وإنسحاب للمجتمع الدولي، وعدم تمسكه وتنفيذه لقراراته السابقة حول أزمة دارفور، هو ما يسمح ويشجع الأن تزايد الإنتهاكات والعنف ضد المدنيين، وهو ما يعرض حالياً النازحين للإنفراد بهم ولتنفيذ كل ما يحقق مصالح وتوجهات السلطات الحكومية والحزب الحاكم من تفكيك للمعسكرات وإعادة تشريد للنازحين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى