بانتفاضتكم يا حفدة رماة الحدق: يكتمل قمر الثورة بدراً !
بانتفاضتكم يا حفدة رماة الحدق: يكتمل قمر الثورة بدراً !
فضيلي جمّاع
(لا دال ولا كجبار.. في أرض النوبة نحن أحرار !) .. شدتني كلمات اللافتة والجلابيب السودانية البيضاء، في صف مرصوص يتقدمه شيوخ وشباب من أرض أقدم حضارة في بلادنا. بل هي من أعرق الحضارات البشرية في هذا الكوكب – حضارة كوش! فرحت كما يفرح الطفل إذ لاح له في الأفق ما يشي أنّ حلمه على وشك أن يتحقق. هم سودانيون منّي وأنا منهم.. وما يؤلمهم يدمي قلبي!
فقط وددت أن أقول بأننا لم نكن نمزح أو نشطح في الخيال عندما قلنا في مقالات متواضعة عبر الأسافير أنّ الصمت على حروب إبادة السودانيين في دار فور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق هو أكبر حافز لنظام الإسلامويين الفاشي في الخرطوم ليمارس القمع بلا رحمة في السودان كله – وفي شماله بالتحديد. فالطغمة الحاكمة في الخرطوم – وإن ضمّت قيادتها نصيب الأسد من عشائر الشمال النيلي منذ انقلابها على السلطة الشرعية في 30 يونيو 1989م حتى اللحظة – إلا إنّ أي منصف يعرف أنّها لا تمثل الشمال النيلي وليست محسوبة على أي من عشائره! ولقد دفع الناس في الشمال وما زالوا يدفعون الثمن مضاعفاً من المعاناة والعوز والفاقة.
وصحيح أننا في غرب السودان وفي جنوب النيل الأزرق عانينا من حروب الإبادة ما لا يحتاج منّي هنا لإضاعة وقت لتكرار الحديث عن فظائعه ، فهي واضحة للعيان. وصحيح أنّ اغتصاب النساء في دارفور صار أحد أسلحة هذا النظام في حربه القذرة هناك. وصحيح أنّ أطفال جبال النوبة ينامون مع السحالي والثعابين في الكهوف ، وأنّ القصف الهمجي لطيران نظام الخرطوم لا يميز بين من يحمل البندقية دفاعاً عن أرضه وعرضه وبين تلامذة المدارس الذين يواصلون الدرس تحت ظلال الأشجار وفي الساحات ولا المواشي في مراعيها. وصحيح أنّ القصف الهمجي استهدف المزارع أيضاً حتى تقل المحاصيل فيهجر الناس في جبال النوبة والأنقسنا بلاداً ضمت رفات أجداد أجدادهم ورأوا الشمس والقمر فيها أول مرة وأنشد الصبايا فيها أحلى الأغاني وأبدع الإنسان فيها أغنى مظاهر الفولكلور في بلادنا. صحيح أن كل هذا يحدث في دارفور وجبال النوبة والأنقسنا على مدار اليوم ولسنوات.. لكننا نقول إنّ الثورة السودانية واحدة أو هكذا ينبغي أن تكون أطروحتها. فالقابضون على السلاح في ذلك الشق من الوطن لمواجهة الجنجويد والعصابات المسلحة لنظام الإنقاذ الهمجي هم في الهمّ شركاء لأهلنا في أمري وكجبار بل من حلفا حتى سهول النيل الأبيض.
أيها القابضون على جمر قضيتكم العادلة في الشمال النيلي ، قلوبنا معكم أينما كان مسقط رأس الواحد منا في هذا الوطن المترامي الأطراف، فقد نلتم نصيبكم المؤلم من الظلم الذي ضرب أطنابه أكثر من ربع قرن، وحق لكم أن تنتفضوا. لقد قدمتم دماً غالياً في كجبار الأولى مثلما قدم حفدة عثمان أبوبكر دقنة في الشرق في مجزرة بورتسودان ومثلما قدمت الجزيرة الثائرة الخضراء وما فتئت تقدم. واصلوا انتفاضتكم- انتفاضتنا – فليست تلك المرة الأولى التي تهز فيها صيحة النوبي ممالك وعروش.
بانتفاضتكم المباركة تكتمل دائرة ثورة الهامش السوداني. بانتفاضة السدود يكون قمر الثورة في أفق بلادنا بدراً..ويصبح نظام القتلة واللصوص في الخرطوم في قلب الدائرة ، ليحاصره المدُّ الثوري من كل جانب!!
ملحوظة ليست بذات أهمية:
كاتب هذه السطور أتى جغرافياً من بادية في أقصى جنوب كردفان. لكنه يدعي بأنه ينتمي إلى كل شبر في هذا الوطن. ولا ينتظر إذناً من أحد ليقوم بتصنيفه عرقيا أو جهوياً.. وهو فوق ذلك عضو فخري في النادي النوبي منذ سنوات. يلبي دعوتهم في كل المناسبات ويدلي بجهده المتواضع متى طلبوا منه ذلك. ولعله يشعر بالفخر والاعتزاز أنّ نبض الوطن السوداني في عروقه يجمعه بحفدة رماة الحدق!
فضيلي جمّاع