حصانة أعضاء البرلمان كقيد على حق التقاضي ..
حصانة أعضاء البرلمان كقيد على حق التقاضي ..
نبيل أديب عبدالله / المحامي
كنت في الأسبوع الماضي تحدثت عن الحصانات التنفيذية، وقد أطل الأستاذ / محجوب محمدا صالح على المقال في عموده اليومي الهام معلقاً على مسألة الحصانة البرلمانية وهي مسألة في غاية الأهمية، ليس فقط لما يتصف به البرلمان من أهمية في الحياة السياسية الديمقراطية بل أيضاً لأنها الحصانة الوحيدة التي نشأت ضمن منظومة حقوق الإنسان وليس كإستثناء منها.
الحصانة البرلمانية تتمثل في نص قانوني يمنع بشكل دائم، أو مؤقت، الدعوى القانونية وإجراءات تنفيذ القانون، في المسائل المدنية، والجنائية، ضد أعضاء البرلمان. والغرض منها هو ضمان إستقلال المجلس التشريعي، والحصانة البرلمانية ليست إمتيازشخصي لعضو البرلمان بل هي إمتياز مؤسسي للبرلمان كهيئة. وعليه فيجب التمييز بين نوعين من الحصانات: الأول حصانة موضوعية مطلقة تقضي بعدم خضوع الفعل للمحاسبة عن طريق أي إجراءات قضائية، بسسب أي تصويت أو أقوال يقوم بها العضو في ممارسته لتفويضه. الثاني حصانة إجرائية تمنع إتخاذ إجراءات الإتهام والتنفيذ الجبري للقانون وتعني عدم جواز القبض والإعتقال وتوجيه الإتهام في مكان أو زمن معين أو بدون الحصول على إذن معين. الغرض من الحصانة البرلمانية هو السماح للبرلمان أن يؤدي واجباته دون تدخل خارجي، وهذا يعني عدم التأثير عليه في مداولاته، وقرارته، بشكل يؤثر على إستقلاليته.
والحصانة البرلمانية منحت تقليدياً في مواجهة السلطة التنفيذية. فالمعلوم أن البرلمان قد نشأ كممثل للشعب في مواجهة سلطة مطلقة كانت تتمتع بها الأجهزة التنفيذية، التي تتمثل فيها سيادة الدولة.وبالتالي فإن البرلمان كممثل للشعب، كان قيداً على السلطة التنفيذية غير مرحب به بواسطتها، ولذلكفقد كان في حاجة لأن تُفرض لصالحه حرمة في مواجهة الإجراءات التي تملك ناصيتها السلطة التنفيذية، وإلي حد كبير السلطة القضائية، والتي كانت في مقتبل حياتها وثيقة الصلة بالسلطة التنفيذية . كل هذا جعل الحصانة البرلمانية تاريخياً صنواً لباقي الحريات العامة وليست إستثناءً منها. كتعبير عن ذلك تضمنت وثيقة الحقوق الإنجليزية في 1689م نصاً يذكر ” حرية الخطاب و النقاش و الإجراءات في البرلمان لا يجوز وضعها محل تحقيق أو لوم في أي محكمة أو قصر أو مكان خارج البرلمان”
قد لا تبدو هناك حاجة للنص على تلك الحصانة في الدول العريقة في النهج الديمقراطي، والتي لم تشهد لقرون محاكمات سياسية كالتي كان يخضع لها أعضاء البرلمان، في العهود السابقة إلا أن بعض الدول ومن ضمنها دول حديثة العهد بالنظام الديمقراطي، مازالت تعاني من مثل هذهالمحاكمات، مما يؤكد الحاجة للحصانة البرلمانية كضمان لإعلاء الحريات العامة على نقيضالحصانات الممنوحه للأجهزة التنفيذية، والتي تكون خصماً على تلك الحريات.
إشانة السمعة من داخل البرلمان
من المؤكد أن الحصانة مهما كان نوعها أو الهدف منها هي قيد على حق المقاضاة، وهي بالنسبة لمن يتم تقييد حقه، بغص النظر عن السبب الذي تم التقييد بسببه، تشكل عبء ثفيلاً على من يقع عليه. ضرب أستاذنا محجوب محمد صالح مثلاً لذلك تعليقاً على مقال الأسبوع الماضي قصة شارك فيهاإبن ونستون تشرشيل تحدى فيها من وجه له إساءات من داخل البرلمان أن يكررها خارج البرلمان، حتى يقاضيه فلم يفعل. ورغم ذلك فلم يؤثر على إقرار الحصانة البرلمانية ما ينجم عنها أحياناً من تجريد أفراد مما يتيحه لهم القانون بشأن الضرر الذي قد يصيبهم. في دعوى X ضد النمسا عندماأثير دفع بمخالفة الحصانة البرلمانية لحق المقاضاة، رأت اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان، أن الدعوى لا تقوم على أساس مقبول، لأن جميع الدول الأوروبية متفقه على ضرورة الحصانة البرلمانية،وأنها جزء أساسي من النظام الديمقراطي الذي يتبنونه
أما في Agee V.U k فلم تعتمد اللجنة على أن الحصانة البرلمانية تعتبر إستثناء مقبولاً بالنسبه لحق المقاضاة، بل رأت أن مقدم الطلب لم يكن له حقاً مدنياً وفقاً للقانون في المملكة المتحدة، في أن يدافع عن سمعته بالنسبة لأقوال تم الإدلاء بها في البرلمان .
وفي young v . Ireland رأت اللجنة أنه بغض النظر عما إذا كانت الحصانة البرلمانية تشكل حاجزاً إجرائياً أم لا، فإنها بالنسبة لمعياري المشروعية، والتناسب، مقبولة من حيث أنها تهدف لتسهيل حرية التعبير داخل البرلمان، وهي مسألة ضرورية ومتناسبة مع ظروف الدعوى.
تعتبر الدعوى المفصلية في هذا الخصوص هي الدعوى المعروفة ب A V . U K وهي دعوى أقامتهامدعية تم توجيه إدعاءات مشينة بسمعتها في البرلمان، مع ذكر إسمها وعنوانها. رغم أن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية أعادت ما قررته اللجنة الأوروبية من قبل فذكرت أن القانون لا يعترف للمدعيةبالحق المدني في المملكة المتحدة في أن تدافع عن سمعتها بالنسبة لأقوال تم الإدلاء بها في البرلمان، إلا أنها رأت أن الحصانة البرلمانية تشكل مانعاً لها من اللجوء إلي القضاء وليس دفاعاً ضد دعواها،وبالتالي فإن هذه الحصانة الإجرائية تشكل عائقاُ بالنسبة للحق في اللجوء إلي القضاء، ولهذا رفضت حجة اللجنة الأوروبية في دعوى أجي، ولكنها رجعت لمنطق اللجنة في دعوى يونق، فذكرت أن الحق في التقاضي ليس مطلقاً، ويمكن إخضاعه لبعض القيود، وذلك بشرط أن لا تصل القيود إلي درجة الإخلال بأساس الحق نفسه. كما وأن القيد يجب أن يكون تحقيقاً لغرض مشروع، وأن يكون هنالك تناسب بين الوسيلة المستخدمة والغرض المستهدف، وقد رأت المحكمة في نهاية الأمر أن نظام الحصانة في المملكة المتحدة لا يمكن أن يقال عنه بأنه يفرض قيداً غيرمتوازي على حق اللجوءللتقاضي.
حصانة البرلمانيين خارج البرلمان
على أن المحكمة الأوروبية لم تقبل مد الحصانة البرلمانية إلى خارج البرلمان. تتعلق دعوىCordova v. Italy بنزاع بين المدعي العام والرئيس السابق للجمهورية الايطالية، فرانشيسكو كوسيغا، الذي كان قد أصبح عضواً بمجلس الشيوخ مدى الحياة، بعد انتهاء ولايته الرئاسية. كان المدعي العام قد أجرى تحقيقاً مع شخص أجرى بعض التعاملات مع السيد كوسيغا، ورداً على ذلك، أرسل السيد كوسيغالمقدم الطلب رسائل وهدايا مسيئة. قام المدعي العام برفع دعوى ضد السيد كوسيغا، متهما إياه بإساءة موظف عمومي. ولكن مجلس الشيوخ اتخذ قرارا قضى بموجبه بأن الرسائل والطرود المرسلة إلى مقدم الطلب تقع ضمن نطاق المادة 68 (1) من الدستور، وبالتالي فإن السيد كوسيغا يستفيد من الحصانة البرلمانية. قررت محكمة المقاطعة أنها تفتقر إلى السلطة في النظر في قرار مجلس الشيوخلأبعد من ذلك. ومن ثم فقد تم شطب الدعوى، وعندما رفض طلب المدعي للحصول على إذن بالإستئناف ضد قرار محكمة المقاطعة، كان قد إستنفذ جميع سبل الإنتصاف الوطنية. وفقاً لذلك قامبرفع دعواه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بدعوى أنه تم انتهاك حقه في الوصول إلىالمحكمة.
عالجت المحكمة أولاً مسألة ما إذا كان مقدم الطلب في الواقع قد تم منعه من الوصول إلى المحكمة،لأن المحكمة كانت قد نظرت بالفعل في قانونية قرار مجلس الشيوخ من الناحية المبدئية، و رأت أنهقانوني ولا يتسم بعدم المعقولية بشكل واضح. ولكن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية رأت أن ما قامت به المحكمة هو مجرد فحص سطحي لا يشكل بديلاً عن حق مقدم الطلب في إقامة دعوى لحماية سمعته. كما و أن مجرد طرح مسألة أولية لا يمنح تأمينا كافياً للحق في الوصول للعدالة، مع الأخذ في الإعتبار بما تعنيه سيادة القانون في مجتمع ديمقراطي. وفي هذا الصدد، ينبغي أن يوضع فيالاعتبار أنه من أجل أن يكون الحق في الوصول إلى العدالة فعالاً، يجب أن يتمتع الفرد بفرصة واضحة وعملية لمناهضة الأفعال التي تتدخل في حقوقه.
بالنسبة للسؤال الرئيسي حول ما إذا كان عدم المساءلة يشكل قيداً على الحق في الوصول إلى المحكمة لا يتناسب مع الغرض منه فقد رأت المحكمة أنه على الرغم من أن السيد كوسيغا قد انتقدتحقيقات مقدم الطلب في مداولة برلمانية سابقة ، ولكن إرساله لخطابات تهكمية ترافقها لعب مرسلةإلى المدعي العام شخصيا، لا يمكن بحكم طبيعتها، أن تفسر على أنها تدخل ضمن تأدية وظيفةبرلمانية. ورأت المحكمة أن عدم وجود أي صلة واضحة للأفعال موضوع الدعوى مع النشاط البرلمانيللمدعى عليه، يتطلب اعتماد التفسير الضيق لمفهوم التناسب بين الهدف الذي سعى إلى تحقيقهوالوسائل المستخدمة. هذا لقتضيه الحال بشكل خاص حيث لأن القيود المفروضة على الحق صدرت بقرار من جسم سياسي وليس قضائي. وفقا لذلك، وجدت المحكمة انتهاكا للمادة 6 (1) من الاتفاقية.
وقد إتبعت المحكمة نفس هذا الخط في دعوى أخرى أساء فيها برلماني لنفس هذا المدعي في خطبتينألقى بهما في اجتماعات انتخابية، وفي ثلاث دعاوي أخرى تم فيها حرمان المدعين من الوصول إلى المحكمة في دعاوى تشهير ضد برلمانيين إيطاليين ألقوا بيانات تشهيرية في مقابلات صحفية
في أمريكا تبنت المحكمة العليا نفس الخط ففي دعوى Hutchinson v. Proxmireقام عضو في الكونجرس بعمل جائزة شهرية للمصلحة الحكومية التي تتفوق في تبديد الأموال العامة. وقد فازت مصلحة حكومية بهذه الجائزة لأنها مولت دراسة أعدها المدعي خاصة بأنماط من سلوك الحيوانات، و لما كان المدعى عليه قد قام بالإعلان عن الجائزة في محطات تلفزيونية، و مؤتمرات صحفية، مما إعتبره المدعى إشانة لسمعته. تم شطب الدعوى في محكمة الولاية، بحكم تأيد في محكمة الإستئناف. ولكن المحكمة العليا ألغت حكمي المحكمتين الأدنى، وقررت أنه رغم أن قضاءها يقوم على تجنب الفصل في المسائل الدستورية، إذا أمكن التوصل للفصل في النزاع بدون فحص تلك المسائل، إلا أن الإعتبارات الخاصة بهذه الدعوى تدعو للتصدي للمسائل الدستورية أولا، لأنه إذا كان المطعون ضده يتمتع بالحصانة فلا يوجد ما يستدعي النظر في المسائل الأخرى. ثم مضت لتقول أن المادة الدستورية المتعلقة بحرية الحديث والتداول لا يمتد حكمها إلى حماية نقل المعلومات بواسطة أفراد من أعضاء الكونغرس، عن طريق البيانات الصحفية والنشرات الإخبارية، ولا يوجد شيء في تاريخ أو لغة المادة يشير إلى أي نية لإنشاء حصانة مطلقة من المسؤولية في دعاوى إشانة السمعة، عن أقوال تم الإدلاء بها خارج القاعات التشريعية؛ على العكس من ذلك فإن السوابق تدعم الاستنتاج بأن العضو قد يكون مسؤولا عن إعادة نشر الأقوال المشينة للسمعة التي تم الإدلاء بها في الأصل داخل القاعلا التشريعية. واقع الأمر هو أنه لا النشرات الإخبارية ولا البيان الصحفي، موضوع هذه الدعوى كانت “ضرورية لمداولات مجلس الشيوخ”، ولا كانت جزءا من مداولاته. النشرات الإخبارية والبيانات الصحفية الصادرة من الأعضاء الأفراد حول أنشطتهم داخل المجلس والتي تمثل وجهة نظر وإرادة العضو الذي أدلى بها، ليست جزءا من وظيفة تشريعية، أو من المداولات التي تشكل العملية التشريعية، بعكس البيانات المتعلقة بالتصويت وإعداد تقارير اللجان، التي هي جزء من وظيفة الكونغرس للابلاغ عن نشاطه.
Hutchinson v. Proxmire 443 U.S. 111 (1979)
الحصانة الإجرائية
رغم القبول الواضح للحصانة الموضوعية بالنسبة لأقوال البرلمانيين داخل قبة البرلمان فإن الحصاىة الإجرائية لا تحظى بهذا القبول. لاحظت مفوضية فينيس (البندقية)، وهي المفوضية الأوروبية المعنية بالديمقراطية من خلال القانون، أن الحصانة البرلمانية المطلقة، أو عدم الخضوع للمحاسبة هي حصانة تقوم على أسس جيدة و في الغالب لا تحتاج لإصلاح، في حين أن الحرمة الإجرائية ليست بالضرورة كذلك، وكثيراً ما تتضمن إساءة إستعمال المبادئي الديمقراطية والإخلال بها. وسنرى حالاً أن الديمقراطيات الغربية لا تحتفل بالحصانة البرلمانية الإجرائية إحتفالها بالحصانة الموضوعية.
فرغم أن النواب في إنجلترا يتمتعون بحصانة كاملة بالنسبة لما يدلون به من أقوال في أثناء جلسات البرلمان، إلا أنهم من الجهة الأخرى لا يتمتعون بأي حصانة إجرائية ضد القبض، و إجراءات تنفيذ القانون بالنسبة للجرائم التي لا تتعلق بالأقوال التي يدلون بها في المناقشات البرلمانية، ولكنهم بالطبع ممنوعون من إستعمال اللغة غير البرلمانية فلا يجوز لهم إتهام النواب الآخرين بالكذب، وعدم الأمانة، وكذلك لا يجوز لهم إستخدام الألفاظ النابية في حرم البرلمان. ولكن هذا المنع لا تتخذ بشأنه إجراءات قضائية، ولكن تتم محاسبتهم بواسطة لجنة الإمتيازات، والتي يجوز لها أن تصدر عقوبات قد تصل لطرد العضو من عضوية المجلس أو إيقافه لمدة من الزمن .
في أمريكا تمنح دساتير 43 ولاية أعضاء المجالس التشريعية الحصانة فيما يتعلق بأقوالهم التي يدلون بها في في المناقشات البرلمانية، وذلك لتمكينهم من أداء واجباتهم بإستقلال تام،ودون أي تدخل من جانب السلطتين التنفيذية، والقضائية، وهي حصانة تشمل عدم المساءلة عن التصويت، وعن الأراء التي تبدى داخل اللجان البرلمانية.
بالنسبة لإجراءات القبض و الإحتجاز، فإن دستور الولايات المتحدة يمنح حصانة محدودة تتمثل في عدم جواز القبض على أعضاء البرلمان في أثناء الجلسات، وهي حصانة لا تشمل الإتهام بإرتكاب الخيانة أو الجرائم الخطيرة و الإخلال بالسلام العام في دعوى. وهي كما ترى القصد منها الحفاظ على هيبة البرلمان وليس حماية العضو.
الحصانة البرلمانية في السودان
لعل ما يلفت النظر هو أن الدستور السوداني لم ينص على أي حصانة موضوعية بالنسبة للأقوال التي يدلي بها عضو المجلس، في أثناء المداولات البرلمانية، رغم نصه على الحصانة البرلمانية الإجرائية، وهذه مسألة لا تفسير لها في نظرنا سوى أن شريكي نيفاشا، أومن بقي منهما معنا، لا رغبة له في تدعيم إستقلال الهيئة التشريعية عن السلطة التنفيذية. عموماً إقتصرت الحصانة البرلمانية في السودان على حصانة إجرائية. للتعرض لمسألة جواز إتخاذ إجراء ذا طبيعة جنائية فى مواجهة عضو الهيئة التشريعية، يجب أولاً التفرقة بين محاكمة عضو الهيئة التشريعية جنائياً ، وذلك لا يجوز ما لم ترفع عنه الحصانة بواسطة المجلس المعني، والإجراءات ذات الطبيعة الجنائية وتتمثل فى إتخاذ أي تدابير ضبط بحق العضو أو بحق ممتلكاته. وقد منعت الفقرة الأولى من المادة 92 من الدستور إتخاذ أي تدابير ضبط بحق العضو، أو بحق ممتلكاته، في غير حالات التلبس، دون إذن من رئيس المجلس المعني. وهذه الحصانة تشمل الإجراءات التى تؤخذ فى الدعاوى الجنائية ضد المهتمين كالقبض والتفتيش، والفحص الطبي، والتكليف بالحضور، وكذلك كافة الإجراءات التي يمكن أن تؤخذ في مواجهة الشهود وتشمل التكليف بالحضور والقبض. ولكننا نرى أنها لا تشمل التدابير التي يمكن أن تؤخذ ضد شخص أو مال الضامن والشاكي والسبب في ذلك هو أن كلاً من الضامن والشاكي قد وضع نفسه في ذلك الوضع بكامل حريته وإختياره فلا يجوز له وقد فعل ذلك أن يعود ويتمسك بحصانته في مواجهة الوضع الذي خلقه بنفسه إذ أنه من المتفق عليه أن تلك الحصانة يجوز التنازل عنها.
بالإضافة لذلك فإن تلك الحصانة تشمل تدابير الضبط بحق العضو، أو ممتلكاته ،في الدعاوي المدنية،والتى يتعرض فيها الأطراف للقبض للإجبار على الحضور، إذا رأت المحكمة، أو طلب الخصم سماعهم أو تحليفهم اليمين، ولم يستجيبوا لأمر المحكمة بالحضور. كما ويتعرض المدعى عليه لإجراءات ضبط لشخصه وأمواله في حالات الأوامر التحفظية، والتي قد تتخذها المحكمة بغرض حفظ الحق المتنازع عليه أو منع المدعى عليه من مغادرة إختصاص المحكمة، أو تغريب أمواله، وغيرها من الحالات وكذلك يتعرض المحكوم ضده بحكم مدني إلى إجراءات القبض وحجز الأموال.
وهذه الحصانة هي حصانة نسبية ففي كل هذه الأحوال يجوز إتخاذ تلك الإجراءات بعد أخذ الإذن من رئيس المجلس المعني، و لكنها معيبة لأنها تضع سلطة الإذن في يد رئيس المجلس، ولو كان الإذن متطلباً لحماية الهيئة التشريعية لكن الأوجب أن يوضع في يد المجلس نفسه لا رئيسه. كذلك فالمادة تترك المسألة كلها في يد رئيس المجلس المعني دون أن تحدد معايير، مما كان يستلزم إصدار تشريع على وجه السرعة يحدد الحالات التي يتوجب فيها على رئيس المجلس منح الإذن، هذا إذا كان ذلك كله له ما يبرره.
و بفحص الحصانة الممنوحة من الإجراءات نجد أنها بغير أساس لأن الغرض من إسباغ الحصانة على أعضاء البرلمان هو تمكينهم من أداء واجبهم، دون خشية، وليس تمييزهم عن غيرهم من المواطنين.وعليه فإنه ليس لأعضاء البرلمان أي حماية إذا ما إرتكبوا جرائم أو إذا ما إنتهكوا حقوق الآخرين ما لم يكن ذلك متصلاً بأداء مهامهم. وهذه مسألة موضوعية، وليست إجرائية. فالحصانة الممنوحة لعضو المجلس هي حصانة تتعلق بأدائه لواجباته، وهي متصلة فقط بحرية الرأي، أما في غير هذه الأحوال فلا حصانة له