شبح التقسيم هل يقتحم منبر جدة؟
الابيض : قرشي عوض
بعد تصريح مدعي المحكمة الجنايئة الدولية( كريم خان ) لاحدى القنوات عقب جولة البرهان الخارجية بانه ابلغ الرجل بان التحقيقات التي تجريها المحكمة في اقليم دارفور سوف تشمله ينطرح سؤال بديهي. وهو هل ان الرحلة التي استهلها قائد الجيش بزيارة دول افريقية وعربية واختتمها بمنصة الامم المتحدة ستكون الاخيرة قبل الجلوس الى مائدة التفاوض في منبر جدة. او مثوله للتحقيق في جرائم حرب اوجرائم ضد الانسانية في لاهاي؟
رغم ان السيد البرهان كان قد خاطب قمة العالم شارحا ابعاد الحرب في السودان من وجهة نظر الجيش والجهات المناصرة له مؤكدا ان القوات المسلحة تطلع بمهامها الدستورية في حسم التمرد الذي تقوم به جهة وصفها بالارهابية الا انه لم يحصد اي مساندة دولية واقليمية لموقفه المسنود من بعض قادة الجيش بضرورة الحسم العسكري. فقد اعربت كل الدول التي اكتفت من خلال مخاطبة الجمعية العامة او اللقاءات على هامش القمة مع البرهان والتي اقتصرت على وزراء او ممثلين لوزراء الخارجية بالاعلان عن موقفها الرافض لاستمرار الحرب كما جددت مطالبتها بفتح الممرات الانسانية وحماية المدنيين. وادانت بالطبع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي وقعت في عدد من المدن السودانية على راسها الخرطوم . وهي انتهاكات ليست مقتصرة على قوات الدعم السريع التي لم ينسى البرهان تذكير جميع الجهات التي خاطبها بانها تحتل منازل المواطنين والاعيان المدنية وانما شملت انتهاكات قام بها الجيش من خلال استخدام الطيران والمدفعية الثقيلة . وقد رصدت منظمة (محامو الطواري) في السودان جميع هذه الانتهاكات ووثقتها من خلال بيانها الصادر قبل انعقاد القمة والذي استندت عليه عدة جهات دولية واقليمية في مطالبتها بوقف الحرب وممارسة مزيد من الضغوط على طرفي النزاع.
طبيعة المقابلات الفاترة او غير المشجعة التي حظى بها السيد البرهان ربما هي التي دفعته في اول لقاء له مع احدى القنوات للتعبير عن ترحيبه بمنبر جدة. واضاف بانه يعتبر المبادرة من افضل المبادرات المطروحة في الساحة. ويقصد مبادرة ايقاد والاتحاد الافريقي التي اعلن اصحابها مبكرا عن رغبتهم في دمجها ضمن المبادرة السعودية الامريكية . وهو نفس الموقف الذي اعلنه حميدتي عبر قناة الجزيرة قبل انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة بوقت قليل والذي اكد من خلاله ترحيبهم بمبادرة جدة ورغبتهم في انهاء الحرب عبر التفاوض . فالدعم السريع يتعرض هو الاخر لنفس الضغوط الدولية اذا لم يسرع الخطى نحو الحل التفاوضي بعد ان اعلنت الخزانة الامريكية عقوبات على نائب قائده عبد الرحيم دقلو شقيق حميدتي . وهي عقوبات تشمل حظر التعامل مع الشركات والاموال المنقولة. وطبيعة العقوبات الامريكية المركبة والتي تشمل الجهة المعنية ومن يتعاملون معها على مستوي العالم. تعني عزلة شاملة في السوق العالمي. ومن هنا تكتسب اهميتها وفعاليتها .
لذلك رجح بعض المراقبون ان تشهد الايام القليلة التي اعقبت ظهور البرهان على منصة الامم المتحدة جهود الوسطاء لتحريك سكون منبر جدة الذي تطاول امده. ولكنها توقعات اجهضتها خطابات لاحقة للبرهان في كل من عطبرة ومعبر ارقين اعلن من خلالها رفضهم للتفاوض مع المليشيا المتمردة الا وفق ( شروطنا نحن وشروط الشعب السوداني).
ومع هذا اثارت هذه الخطوات المتوقعة مخاوف بعض الاطراف خاصة الموقعة على اتفاق جوبا مثل مني اركو مناوي الذي صرح بان استئناف التفاوض سيكون بين رؤساء دول وليس قادة جيوش متحاربة. مما يجعل احتمالات تقسيم السودان وشرذمته اكثر هي الارجح . وتجي هذه التصريحات لاحد اكبر قادة الكفاح المسلح في السودان بعد تسريبات تشير الى ان السفير الامريكي يستطلع اراء بعض القوى السياسية حول تقسيم السودان الى دولة عاصمتها بورتسودان برئاسة قائد الجيش واخرى عاصمتها الخرطوم برئاسة قائد الدعم السريع . وهو توجه دعا ناشطون وصحفيون على وسائط التواصل الاجتماعي الى ضرورة استباقه بعمل جماهيري يؤمن على وحدة السودان . وهذا هو نفس الطرح الذي تقدمه قوى الحرية والتغيير. والجبهة الوطنية المتحدة التي تكونت مؤخرا غير ان الاخيرة تربطه بدعم القوات المسلحة مما يشير الى انها وحدة ستتحقق عبر فوهة البندقية وسحق قوات الدعم السربع .وهي رغبة تبدو بعيد المنال في ظل توازن القوة العسكري القلق الذي يسود الساحة . فالجيش برغم انه مسيطر على كل معسكراته بما فيها قيادته العامة. وقادر حتى هذه اللحظة على صد كل هجمات الدعم السريع عليها ا. الا ان الدعم السريع لازال يبسط سيطرته على الارض جنوب القصر الجمهوري وحتى حدود ولاية الجزيرة في وسط السودان ويمنع حركة النقل فيها الى حانب سيطرته على الطرق البرية والمسفلتة التي تربط وسط البلاد باقاليم غرب السودان الى حانب وجوده بكثافة في منطقة شرق النيل الممتدة عبر ارض البطانة الى اقليم شرق السودان. وهذا تمدد عسكري ليس له اسم اخر غير انه سيطرة على الارض.
لذلك لاتوجد اسباب منطقية او امكانيات عملية يمكن ان تقف في وجه دعوة الوسطاء الدوليين لوقف الحرب بدون شروط والانتقال الى عملية سياسية قد يتم من خلالها طرح حل الدولتين عبر فترة انتقالية يتم فيها اختبار الوحدة على اسس جديدة في مدى زمني محدود بعده يتم طرح الحل المستدام بطرق سلمية وربما باختيار شعبي عبر الاستفتاء .
وبهذا فان جولة البرهان التي اختتمها بمقر الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك. ربما تكون اخر جولة يقوم به رئيس للسودان الموحد او حتى قائد للجيش السوداني وفق تهديد المحكمة الجنائية الدولية بان التحقيقات في اقليم دارفور ستشمله بالتزامن مع الجهود التي تبذلها امريكا في الترويج لخيار الدولتين من خلف ستار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بسبب استمرار الحرب .
وهذا الموقف الذي تقف ضده بعض الجهات حتى في الادارة الامريكية ويتعارض مع الموقف السعودي الذي يبدو داعما لوحدة السودان. وربما يكون هو الذي يقف خلف تاخير منبر جدة كل هذه المدة. وان ارهاصات تجدد الدعوة له التي لاحت في الافق ربما تشير الي تجاوز نقاط الخلاف بين الوسطاء الدوليين والاقليميين .