مدن السودان تنزح
المدنيون أدركوا أنهم بلا مظلات حماية حكومية أو مدنية، سواء أن كانت محلية أو دولية
مدن السودان تنزح
المدنيون أدركوا أنهم بلا مظلات حماية حكومية أو مدنية، سواء أن كانت محلية أو دولية
قرشي عوض
لاتوجد بقعة في السودان يمكن وصفها بانها آمنة ومستقرة. هكذا تقول المتحركات العسكرية المنتشرة في بطاح السودان من أم دافوق في أقصى غرب دارفور، الى أم شديدة في الوسط. والمدنيون في حركة مستمرة من مدينة إلى أخرى. فلا تكاد الأسرة تستقر في بلد ما وتتدبر أمر معاشها، حتى تفاجئها أصوات المدافع والمُسيّرات، وتجبرها على تغيير مكان إقامتها بعيداً عن مرمى النيران.
ولايوجد معين على هذا التنقل الإجباري وطرق أبواب المدن والبلدات المستمر، إلا بالإعتماد على مايقدمه الأقارب والأصدقاء والمعارف من خاج البلاد، بعد أن نفدت المدخرات القليلة التي كانت مخصصة لأغراض تنسجم مع حياة الإستقرار.
المنظمات العالمية أغلقت مكاتبها وسحبت موظفيها من المدن، في مشهد أعاد للأذهان تجربة كيغالي في ماساة رواندا.. وتوقفت المنظمات الوطنية التي كانت تعتمد على العون الدولي في تقديم المساعدات في أوضاع أصلاً كانت تتسم بالهشاشة، قبل أندلاع الحرب. وإكتفت بعضها برصد حالات النزوح وتوثيقها فقط.
وضاعف من معاناة النازحين أن أطراف النزاع لم تأخذ تعهداتها بفتح الممرات الآمنة، وتيسير حركة الفارين، من مناطق النزاع مأخذ الجد. ويكفي أن قافلة الصليب الأحمر قد تعرضت لإطلاق نار من قبل الجيش، أودت بحياة إثنين من طاقمها، وتعرض آخرون لجروح، في وقت كانت تسعى فيه لإجلاء عالقين من مناطق القتال في منطقة الشجرة بالخرطوم، رغم أنها كانت ترفع شارة الصليب الأحمر المحمية بالقانون الدولي الانساني. هذا غير حالات كثيرة من إنتهاك حقوق النازحين على الطرق بمافي ذلك حق الحياة نفسها من قبل قوات الدعم السريع، وعصابات النهب التي ترتدي ملابس مدنية، وتحمل السلاح، وتقطع الطريق بين المدن والدساكر
وتكتفي الجهات الدولية المعنية بفض النزاع السوداني بحث أطراف الصراع على إحترام تعهداتها في منبر جدة بمراعاة حقوق المدنين وعدم تعريضهم للخطر في مناطق النزاع، والأطراف المتحاربة تدرك أن المجتمع الدولي لن يمضي أبعد من ذلك في مواجهة إنتهاكات تجعله أمام البند السابع الذي تحول دونه عقبات سياسية وعملية وإقتصادية.
وتستغل أطراف النزاع هذه السيولة في الموقف الدولي لتحقيق مكاسب عسكرية تحسن من وضعها على مائدة التفاوض إذا أجبرتها الظروف على الجلوس إليها. ولتحقيق هذه الغاية يحاصر الدعم السريع مواقع الجيش في سلاح المهندسين والمدرعات ومنطقة وادي سيدنا، كما وسع عملياته العسكرية باحتلال مدينة ود مدني “سرة السودان” وملتقى طرقه التجارية، مابين غرب البلاد وشرقها وجنوبها، مما خنق الحركة التجارية في مدن كردفان والنيل الأبيض، فاؤتفعت أسعار السلع الغذائية وتم تجفيف الأسواق المحلية من بعضها
المدنيون أدركوا أنهم بلا مظلات حماية حكومية أو مدنية، سواء أن كانت محلية أو دولية. وأنهم يقعون في ذيل إهتمامات الدول التي تمسك بملف النزاع السوداني، وأن القوى المدنية والسياسية التي تحتكر الحديث بإسمهم تعتمد على تمثيل فوقي نالته ماقبل الحرب.
خلاصة القول أن التحركات الخارجية والداخلية لقوى المقاومة المدنية السلمية لا تقدم حلولاً عاجلة للنازحين من ناحية توفير الأمن وحرية التنقل، لتدبير حياتهم. لذلك إضطر أهالي بعض المناطق في الجزيرة وكردفان لعقد إتفاقيات “تعايش سلمي” مع قوّات الدعم السريع، التي تحتل مناطقهم، وتقوم بتحصيل جبايات الدولة فيها، وهي إتفاقيات غير مضمونة، ولايحميها قانون، ويمكن التراجع عنها في أي وقت، ومن قِبل أي فرد في تلك القوات، مما يطرح وبشكل جدي مسالة توفير مظلات الحماية للنازحين والمدنيين العالقين في مناطق النزاع الذي إتسع نطاقه وعم القرى والحضر