مفاوضات جنيف : قائمة أم عائمة ؟؟؟!!!…
الوضع على الأرض يتطلب الإستجابة السريعة لوقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية وتجنُّب خطر المجاعة
مفاوضات جنيف : قائمة أم عائمة ؟؟؟!!!…
الوضع على الأرض يتطلب الإستجابة السريعة لوقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية وتجنُّب خطر المجاعة
مدار أوّل:
“وما كل من يغدو إلى الحرب فارسّ … ولا كل من قال المديح فصيح” (( إبن الدهان))
مدار ثاني:
“بلاد الرعب أوطاني .. من القاصي إلى الداني .. ومن خوفٍ إلى خطرٍ … ومن منفى إلى الثاني… بلاد الحرب أوطاني .. تدمّر كل بنيان … توفى الأمن فى وطني … وصار الموت مجّاني … بلاد الحزن أوطاني … بأشكالٍ ………. وألوانِ” ((سميح القاسم))
-1-
أكتب اليوم مساء يوم الثلاثاء 13 أغسطس 2024، مع إقتراب أجل عقد أو تأكيد تأجيل مفاوضات / مباحثات 14( أغسطس 2024، بسويسرا)، حيث تتجه أنظار العالم، وأنظار الشعب السوداني – على وجه الخصوص – ومن قبل ومن بعد، لمدينة جنيف، لمتابعة (أضواء) و(ظلال) وربما (عتمة) و(ظلمة) “الماجرى” خارجها، فى الأربعة وعشرين ساعة الأخيرة، وفى ذات الوقت، فى انتظار “الماسيجري” فيها يوم الغد، وما سيجري بعد ذلك الأجل “المضروب” فى إدارة ملفّات الحرب المليجيشية الكارثية فى السودان، وانعكاسات، ومآلات التعامل مع حرب السودان – إقليميا،ً وعالمياً- بعد يوم الغد، وإن كانت هذه المفاوضات / المباحثات ستتم بدون حضور وفد القوات المسلحة السودانية “الجيش”، وإن كانت (مفاوضات جنيف) ستجري، وربما بتعديل الإسم – فقط – ليصبح “مشاورات”، أم ستؤجّل إلى حين “إشعار آخر”، ربّما تفلح، أو لا تفلح، مساومات أو “تفاهمات” اللحظة الأخيرة للاعبين الكبار، فى إيجاد “مدخل” أو “مخرج”، قد يجعل تحقيق أهداف وغايات “مفاوضات” جنيف أمراً ممكناً ؟!.
-2-
من الواضح أنّ غباراً كثيفا، وهو متعمّدٌ ومقصود لشيء فى نفس “الوساطة”، قد أُثير، و بقوّة، حول مفاوضات جنيف، وعن طبيعتها، وأهدافها، وما يخطط له الراعي الرسمي – الولايات المتحدة الأمريكية – لتحقيقه من هذه “المفاوضات” أو “المباحثات”، وما المأمول تحقيقه منها، للوسطاء، ولطرفي النزاع المسلّح، وللأطراف الأخري المشاركة فى الحرب “المرئية وغير المرئية”، والمستفيدة – بشكلٍ أو بآخر – من اتساع رقعتها، واستطالة زمانها، ومن قبل ومن بعد، للشعب السوداني، الذى ما عاد يمتلك (رفاهية) الإنتظار المُمِل، لمبادرات قادمة، وقد وصلت به الحرب “المليجيشية” الكارثية، إلى ما لا – ولم – يخطر بعقل – أو قلب – بشر، وقد دمّرت وقتلت رصاصات ودانات ومسيّرات ومقذوفات هذه الحرب المجنونة “الأرواح” السودانية، قبل “الأبدان”، فى السودان “الفضل”، وأصبح واجب وقفها، ومنع تواصلها، مسئولية الجميع، اليوم، قبل الغد، وقبل فوات الأوان ؟!.
-3-
اليوم، يطل – أكثر من أيّ وقتٍ مضى – بريق أمل أخير، إن كانت أهداف وغايات وترتيبات مفاضات/ مباحثات / مشاورات جنيف “المؤجّلة” أو “المعطلة”، ستفتح الطريق “حقّاً”، نحو آفاق وقف الحرب (المليجيشية) الكارثية، وهل ستضييء أنفاقاً ظلّت – ومازالت – معتمة، لتحقق بنودها الثلاثة المعلنة، وهي: ((“الوقف الشامل لإطلاق النار وجميع العنف، وفتح ممرات آمنة تُسهّل وصول المساعدات الإنسانية، بمختلف المعابر إلى جميع الولايات السودانية، بالإضافة إلى تحديد آليات مراقبة دقيقة لإنفاذ البندين الأوّلين”)).
-4-
من المهم – هنا – (الإنتباه) و(التنبيه)، إلى ما قاله وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، قبل “أيّام”، وهو يضع جدول أعمال “المفاوضات” / “المباحثات”، على طاولة قيادات طرفي النزاع المسلّح(الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع)، وتأكيده – لطرفي النزاع، ولغيرهم – على أنّ (واشنطن) “لن تسمح بأيّ مراوغات فى مباحثات سويسرا، وأنّ كل من يعرقلها ستُتخذ إجراءات حاسمة تجاهه”… وهذا، وحده، يعني أنّ هناك شيء ما يطبخ على نار هادئة، فى أضابير السياسة الأمريكية، لوقف أو السماح للإحتراق المستمر والمستدام والتوسّع الحربي فى سماء وأرض السودان !. نقول هذا، دون أن نسمح لأنفسنا – الأمارة بالحسن – بالوقوع فى فخاخ “تصديق الوعود”، فى أزمنة “نقض العهود”!.
-5-
على الجميع الإنتباه، إلى ما يمكن أن تحمله سيناريوهات المستقبل، من مخاطر على الجميع، وحينما تأتي مثل هذه “التحذيرات” و”التهديدات” من مسئول أمريكي كبير، فإنّ الواجب يحتّم على قيادات طرفي الحرب، أخذها بعين الإعتبار، لأنّ مثل هذه التصريحات الصريحة والعلنية، سيكون لها – حتماً- ما بعدها، وبخاصةً أنّ أمريكا على مقربة وأعتاب (انتخابات) مفصلية، قادمة فى نوفمبر المقبل، وهي إنتخابات ذات حساسية وخصوصية عالية، تحتاج مواجهتها لأفعال، لا أقوال – فقط – فى السياسة الخارجية الأمريكية، كما درجت الإدارات الأمريكية المختلفة، فى مثل هذه المواقف والظروف الإستثنائية.
-6-
ما يهم “أهل المصلحة” (الحقيقيين)، من السودانيين والسودانيات، من المكتوين بنيران حرب 15 أبريل 2023، فى داخل السودان، كما فى كل المعابر، وبلدان اللجوء، أنّ المطلوب، وعلى جناح السرعة، هو فتح الممرات الآمنة، لإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء للمحتاجين والمحتاجات فى كل السودان، والبلاد تقف على هاوية اشتداد وطأة ((المجاعة)) التى لاحت نُذرها، وبان شبحها على الأفق، وقد وضعت – الحرب والمجاعة – أوتادها فى كامل التراب السوداني، ولم يعد الوضع ينتظر “إعلان رسمي” أو “إعتراف غير رسمي”، مازالت تضن به على شعبنا، حكومة الأمر الواقع فى بورتسودان، وهي – بلا أدني شك – غير عابئة، ولا آبهة، بمصير أكثر من 25 مليون نسمة، تتهددهم المجاعة، وويلاتها الماحقة فى السودان، فيما يتطلّب الوضع على الأرض الإسراع فى الإستجابة الدولية الفورية، لتجنيب البلاد و”العباد” مآلات خطر المجاعة فى السودان.
-7-
نقول كل هذا، وذاك، ونشاهد ونسمع – بل نؤكّد – صرخات ومعاناة أهلنا فى غابة (أولالا) بإقليم الأمهر، بإثيوبيا، وقد وصل بهم الحال، وسوء المآل، إتخاذ – بعضهم قرار – بل، تنفيذ – المخاطرة بالعودة للسودان، سيراً على الأقدام، لمواجهة الموت المؤكّد هناك، بدلاً عن الموت –المحقق – فى الأدغال، كما نشاهد ونسمع صرخات أهلنا فى (مصر) التى ظنوها – للاسف – ” مؤمّنة” كما صورها لهم/ن الشيخ الورع البرعى فى قصيدته المشهورة “مصر المُؤمنة”، ولكن، هيهات !!!… كما نشاهد ونسمع صرخات وأنين أهلنا فى معسكر “كرياندونقو” / بيالي، فى أوغندا، ونعرف ونشعر بحجم ونوع معاناتهم/ن، وهم/ن فى إنتظار “جودو” المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للامم المتحدة، و”ما أدراكما” الأمم المتحدة، ولن نضيف جديداً، إن نبّهنا – ولو على عجل – لصرخات أهلنا فى “أدري” – وما ادراكما أدري – بتشاد، وهم/ن يعيشون أوضاعاً مأساوية، تتفاقم حدتها كل يوم، وهاهي الحرب المليجيشية الكارثية، تهدد الفاشر مرة أُخري – وليست أخيرة – بالمزيد من التقتيل والتهجير!.
-8-
فى هذا الواقع المخيف، وأمام هذا السيناريو المروع، يبقي مطلب تحقيق وقف شامل للحرب المليجيشية الكارثية، واجب على الجميع، وهو مطلب وحيد، يقف اليوم، فى مقدمة أجندة المطالب الإنسانية، لإنقاذ شعب كامل من الموت المحقق… وقد ثبت للعالم أجمع، أنّها حرب الطرفين المتقاتلين، ضد الشعب، وأنّها حرب يخوضها الطرفان، بل، كل الاطراف المشاركة فيها، بالـ”وكالة”، وليس بالـ”أصالة”، وهذا وحده – مع غيره – من ضرورات تحقيق السلم والأمن العالمي، يتضمّن التأكيد على أهمية استدعاء مبدأ “فتح خشم البقرة”، كما يقول المثل السوداني الصميم، والمطلوب فى هذه الحالة مخاطبة من يدعمون الحرب بالمال والعتاد والتغطية على الجرائم المرتكبة ضد كل السكان فى مناطق الحرب، وما يسمّى بمناطق النزوح، أو المناطق الآمنة، رغم أنّها لم تعُد “آمنة” !.
-9-
يبقى، أنّ نقول : إنّ إطالة أمد الصراع المسلح فى السودان، والتهاون فى وقف ومنع المزيد من التدهور المريع للوضع الإنساني فى السودان، سيعرّض كل المنطقة – سمّها الإقليم، ومن ثمّ القارة والعالم أجمع – للمزيد من الإحتراق، وهذا ما لا يتمناه عقلاء العالم، إن كان فى هذا العالم المحترب “عقلاء” !!!.
-10-
الكُل يقولون انّهم يقفون بجانب الشعب السوداني، ولكن يبقي عن أي ّ شعب سودانيٍّ “فضل” يتحدّثون؟؟؟!!!. والمؤسف – حقّاً – لم يبق – أو فى الحقيقة، لم يترك أباطرة الحرب السودانية – لشعبنا السوداني “الفضل” ظفراً، يحك به جلده، ومع ذلك، تبقي ثقتنا فى شعبنا أقوى من كل الخطوب، وحتماً، ستأتي اللحظة التاريخية الحاسمة التى سيتولّى فيها شعبنا العظيم – سلماً، لا حرباً – جميع أمره، ورحم الله الإمام الشافعي، وهو القائل: “ما حكّ جلدك مثل ظفرك … فتولّ أنت … جميع أمرك … وإذا قصدّت لحاجةٍ… فأقصد، لمعترفٍ بأمرك” !.
-11-
ويبقي السؤال المشروع عن مفاوضات جنيف، ترى هل هي قائمة أم عائمة؟؟؟!!!.
جرس أخير:
“كل الجروح بتروح …إلّا التى فى الروح … خلّي القلب مفتاح … نحو الأمل مفتوح” ((محجوب شريف))
فيصل الباقر