السودان: الموت جوعاً وتوقُّف التكايا والمطابخ بسبب عدم وجودالدعم المالي الكافي
الأمم المتحدة: السودان يواجه أزمة جوع هي الأكثر مأساوية في تاريخه
كتب:أسعد أدهم الكامل
بلغت حرب السودان الكارثية بين القوات المسحلة، وقوات الدعم السريع نحو (600) يوماً، واجه خلالها المدنيون أشكالاً عديدة من الإنتهاكات، من بينها القتل والإعتقال والإغتصاب والضرب والإهانة، وغيرها جراء التدوين المدفعي، وقصف الطيران، الذي حوّل الأجساد، والمؤسسات، والأعيان المدنية، إلى أشلاء وحطام… معاناة السودانيين لم تتوقف علي تلك الفظائع، فالذي نجا من الموت بالرصاص والطيران، سيلاحقه الموت بنقص الدواء، والغذاء، فالموت جوعا ًبات يهدد نحو (26) مليون شخص منهم (14) مليون طفل، في ظل تعطُّل الإنتاج الزراعي والصناعي.
توقُّف التكايا:
ويسرد المدنيون في مناطق النزاع بالخرطوم، والجزيرة، ودارفور، معاناتهم في ظل الحرب، وتدهور الأوضاع الصحية والإنسانية، بجانب انتشار الأمراض، كحمّى الضنك، وغيرها من الحُميات، وسوء التغذية، التي حصدت أروحاً عزيزة، نتيجة لعدم توفر الرعاية الصحية، بالإضافة إلى توقف العديد من “التكايا” والمطابخ، التي كانت تساهم كثيراً في توفير الغذاء للمواطنين، في تلك المناطق، حيث بات الجوع أشدّ أيلاماً من الموت، والدمار نفسه، فالبطون الخاوية يطاردها الموت بلا رحمة، وفي أبريل الماضي، أعلن متطوعون عن وفاة ثلاثة أطفال جوعاً في محلية أم بدة، بأم درمان، فالموت جوعاً لم يكتفِ بحصد أرواح الأطفال، فحسب، فقد مات الأستاذ الجامعي الدكتور كباشي مدني رحمة الله، جوعا بمنطقة الشجرة، بسبب تداعيات الحصار الطويل المفروض على المنطقة المجاورة لسلاح المدرعات، التي تشهد اشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023م… وفي منطقة دار السلام بأمدرمان، لقى أربعة أشخاص مصرعهم جوعاً في المنطقة بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية والدوائية… وفي حديثي مع عمار حسن، عضو مطبخ القادسية بحي السلمة الجديدة التي تشمل مربعات (1-2-3-4-5)، ويُقدّر عدد سكان كل مربع بأكثر من ألف منزل، قال لي: “إنّ مطبخ القادسية، الذي توقف منذ أكثر من أسبوعين، كان يقدم وجبة الإفطار لأكثر من (400) أسرة يومياً… وبشأن التحديات التي تواجه عملهم، أشار عمار إلى عدم وجود الدعم المالي الكافي، والمضايقات الأمنية، وإنعدام بعض السلع الغذائية في الأسواق، وإرتفاع أسعارها، وإنقطاع خدمات الإنترنت، والإتصالات، والتيار الكهربائي… وقال حسن إن المدنيين يواجهون صعوبات بالغة، في الحصول على مياه الشرب، حيث يتم الإعتماد كُلياً على الآبار الجوفية بالطرق البدائية… ولفت عمار الإنتباه إلى أن عدد الأُسر قبل توقف مطبخ القادسية، كان في تزايد، في ظل غياب دور المنظمات الإنسانية ودعمها، ليتوقف مطبخ القادسية، وقد سبقه توقف العديد من المطابخ، والتكايا، بالخرطوم، والولايات الأُخري، التي تعاني من النزاع المسلّح وآثاره المدمرة… وناشدت غُرفـــة طـــوارئ شـــرق النيـــل، المنظمـــات الدوليـــة، والمحلية، العاملة في المجال الإنساني للتحرك الفوري، لمواجهة كارثة سوء التغذية التي أصبحت تهدد حياة الآلاف، لاسيما الأطفال، والنساء الحوامل، وكبار السن، وقالت – الغرفة – إن تأخير الإستجابة الفورية، سيؤدي إلى فُقدان المزيد من الأرواح، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً وهشاشة، وأضاف متحدّث بإسم الغرفة: إنّ أي تدخُّل مهما كان حجمه، سيكون له أثر بالغ، في إنقاذ حياة الآلاف، و وقف إنتشار الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، وبخاصةً، أنّ المنطقة، تعاني من إنتشار واسع لأمراض سوء التغذية الحاد، مثل الإسهال وأمراض أخري مثل العشي الليلي … وكانت قري عديدة بشرق الجزيرة، قد نزحت قسرياً بسبب هجمات الدعم السريع على مناطق أم ضواً بان، و ود أبو صالح وشندي.
مواثيق قانوينة:
وتتحدث أهداف التنمية المستدامة في الهدف (1) القضاء علي الفقر، والهدف (2) القضاء علي الجوع، والهدف(3) الصحة الجيدة، والرفاه… وينص القانون الدولي بأن لكل فرد حقاً أساسياً في التحرر من الجوع… ويفرض العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966،على الدول اتخاذ الخطوات اللازمة، لضمان حصول الجميع على غذاء كافي (المادة 11)… و يتعيّن على كل دولة إحترام الحق في غذاء كافٍ وحمايته، والوفاء به، والتدخل إذا تعذّر على الفقراء تأمين الغذاء الكافي لأنفسهم، والأمن الغذائي لا يتطلب فقط الطعام، ولكن أيضاً الحصول على المياه، والصرف الصحي، والعلاج الطبي اللازم… كما جرّم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في المادة (7) التي تتحدث عن جرائم ضد الإنسانية، الفقرة (د) عدم تعريض المدنيين للمعاناة، والمشاكل الصحية، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية
ضعف الاستجابة :
وظلت وكالات الأمم المتحدة تحذر من تنامي أزمة الجوع في السودان، جراء تعطّل سبل العيش، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، إلى ملايين المتضررين من قبل أطراف النزاع… وقالت الأمم المتحدة إن السودان يواجه أزمة جوع هي الأكثر مأساوية في تاريخه، حيث وصلت المجاعة إلى أجزاء من ولاية شمال دارفور… من جهته أشار سفير الولايات المتحدة لدى وكالات الأمم المتحدة في روما، جيفري بريسكوت، لوصول قافلة مساعدات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي محملة بأغذية منقذة للحياة، إلى مخيم زمزم في شمال دارفور، وصفها بإنها خطوة حاسمة في معالجة أزمة الجوع في السودان… معلناً عن وقوف الولايات المتحدة – بقوة – مع برنامج الأغذية العالمي، وشعب السودان، بينما قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو: “هناك حاجة لمزيد من المساعدات، وتسريع وصولها في هذا البلد الذي يشهد حربًا مستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وذلك من خلال تنفيذ ممّرات إنسانية، وفترات توقف للقتال… بدوره حذر رئيس المجلس النرويجي للاجئين، يان إيجلاند، من أن السودان يواجه خطر التحول إلى دولة فاشلة أخرى… وأوضح أن المجتمع المدني يتفكك وسط انتشار الجماعات المسلحة… وقال إيجلاند في أعقاب زيارة للسودان: “كل ما رأيته يؤكد أن هذه بالفعل أكبر حالة طوارئ إنسانية في عهدنا، وأكبر أزمة جوع، وأكبر أزمة نزوح”… وفي المقابل قالت منظمة الصحة العالمية إن المجاعة في السودان منتشرة في كل مكان تقريباً… وقد اضطرت مطابخ المتطوعين إلى الإغلاق بسبب نقص التمويل. ومن قبل قال أرنو نقو تلو سكرتير أول “السلطة المدنية للسودان الجديد” في بيان صحفي له إنه خلال الفترة من 14 أغسطس- إلى 20 سبتمبر 2024، توفى (416) مواطن بسبب الجوع، بينما وصل (52.479) طفل إلى حالة سوء التغذية… ووصف أرنو الأوضاع الإنسانية بإقليم جبال النوبة / جنوب كردفان، بأنها كارثية، وقال أرنو قمنا من جانبنا بإعلاننا المجاعة في مناطق سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بإقليمي جبال النوبة والفونج الجديدة (النيل الأزرق)، في الثالث عشر من أغسطس 2024م.