الوضع الصحي مهدد بالإنهيار فى الأبيض، بسبب الحرب
سوق الدواء يسيطر عليه الدواء المهرّب … ومركز الكُلى يواجه تحديات كبيرة
الأبيض: قرشي عوض
في أقل اسبوع تعرضت أكثر من شاحنة صغيرة للنهب من قبل قوات الدعم السريع على طريق خور طقت شرق مدينة الأبيض. كان آخرها عربة بفلو تحمل أنابيب أكسجين لمستوصف (علوية يس) أحد أكبر المراكز الصحية غربي البلاد. كما تعرض المستشفى الكويتي للأطفال عدة مرات للقصف من قبل تلك القوات، وهو يعتبر ثاني مستشفى متخصص في أمراض الأطفال في كل غرب السودان، إذ يوجد الآخر داخل معسكر للنازحين في دارفور.
وبمرابطة هذه القوات على هذا الطريق تضيق دائرة الحصار على المدينة أكثر فأكثر، إذ يعتبر واحد من الطرق الجانبية التي يعرفها سائقوا اللواري القديمة التي كانت تعمل بين القرى قبل الحرب، وقد أصبحت – الآن – وسيلة النقل الوحيدة التي تربط المدينة بالعالم الخارجي، بعد توقف شركات النقل العملاقة عقب انقطاع طريق الأسفلت الرابط بين كوستي والأبيض، والذي سيطرت قوات الدعم السريع على أهم مفاصله، في نقطتي أم روابة والرهد، وطريق الصادرات الغربي باحتلال مدينة بارا… فانقطع إمداد السلع والبضائع خاصة الأدوية… ويجي هذا التطور في إطار انهيار سلاسل الإمداد الدوائي في السودان، بخروج الشركات والمصانع، عن العمل، وتوقف إجراءات تصديق مصانع جديدة، وتراجع استيراد الدواء، فانتشر الدواء المهرب، كبديل للدواء الذي يصل الإقليم بالطرق المعهودة.
الرصاص المنهمر من كلا الجانبين، لم يعد السبب الوحيد للموت، في بلد تنشغل فيها الدولة بالحرب عن ماسواها. والمناطق التي لم تتعرض حتي – الآن – لهجوم قوات الدعم السريع، أوقصف طيران الجيش، في شرق وشمال وغرب السودان، اجتاحتها الأوبئية، خاصة (الكوليرا) التي سجلت حالات، وُصفت حتي من قبل السلطات الصحية نفسها، بانها وبائية.
جهات عليمة في الحقل الصحي، تشير إلى أن الإسهالات المائية، ومتلازمتها (الكوليرا) ليست عصية علي السيطرة كما قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين، إذ يعتمد علاجها علي المضادات الحيوية التقليدية، أو المحقونة بالوريد، في حالة الكوليرا. كما انها تحتاج إلى الدربات وأملاح التروية، والتي تقع ضمن قائمة الأدوية المنقذة للحياة، التي كانت توفرها الإمدادات الطبية، التابعة لوزارة الصحة، فيما يأتي بعضها من برامج المنظمات التابعة للامم المتحدة… من هذين المصدرين يتوفر 70% من مخزون الدواء بينما يوفر القطاع الخاص 25٪. هذه المصادر الداخلية، والخارجية، لم تعد متوفرة بعد إنهيار أكثر من 50 شركة دواء، وإيقاف تصديق 16 مصنع، ونهب مخازن المنظمات العالمية، وتراجع إستيراد الأدوية.
لهذه الأسباب، أكد أطباء وصيادلة، في بعض المدن، أنّ سوق الدواء أصبح يسيطر عليه الدواء المهرب، وهو غير مأمون … وهناك أدوية كثيرة منتهية الصلاحية… طبيب جراح في مدينة الأبيض، قال إن المرضى قالوا له إنهم كانوا يشعرون بكل مايقوم به، أثناء إجراء العملية… كما قال طبيب نساء وتوليد، إنه لم يعد يصف حقن الخصوبة للنساء، لأنها منتهية الصلاحية
وبعد رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر، يصل مرضي الكلي من عدة مدن خرجت فيها مراكز الغسيل عن الخدمة، إلى مدينة الأبيض، فيستقبلهم مركز (الجميح) بامكانيات شحيحة تُنذر بتوقفه هو الآخر، في وقت قريب، مالم يتم تداركه.
وقال المدير الطبي للمركز د/ صلاح الدين عبدالله: “منذ اندلاع الحرب في 15 ابريل 2023 ، وصلت من الخرطوم 70 حالة، بينما جاءت من الجزيرة، بعد تعرضها للهجوم ما بين 12-13حالة، انضم إأليهم 6 أفراد من الفاشر، ومثلهم من نيالا، وكذلك من أم روابة، بينما وصلت 5 حالات من كادوقلي، توفي أحدهم في الطريق، و3 من النهود”… كما أن هناك مرضي، ياتون لتلقي العلاج، ويعودون إلى مدنهم وقراهم، لعدم قدرتهم علي مقابلة نفقات الإقامة والإعاشة، خاصة سكان المدن القريبة مثل النهود.
أصبح المركز يتعامل حالياً مع 130 حالة بمتوسط تردد يومي بين 7-8 حالات، وذلك لوجوده، في منطقة تعتبر وسط ، يمكن أن تستقبل الحالات من دارفور وكردفان، إلى جانب توفر إخصائيين في الباطنية، والجراحة، والمسالك البولية… هذا الضغط الكبير، إنعكس علي عمل المركز، الذي يعمل الآن بـ(4) ورديات في اليوم، من خلال الماكينات التي تعمل بوحدة النظام المائي، لمدة تتراوح ما بين 20-18 ساعة في اليوم، في حين أن العمل يفترض أن يكون مابين ورديتين إلى ثلاث، إلى جانب أن الأجهزة نفسها قديمة، وتحتاج الي استبدال وتعمل ضمن امكانيات عامة متدهورة.
يقول المدير العام د/عمار مكي إن المركز تأسس بشكله الَحالي في العام 2014-2015، وبدأ عمله بـ( 26 ) ماكينة، تعمل منها – الآن – 13 ماكينة فقط، بسبب عدم الصيانة، كما أن الماكينات التي في الخدمة، إنتهى عمرها الإفتراضي، أوتعمل بـ(50٪) من طاقتها، وهي عُرضة للتوقف، ولايوجد ضمان لإستمرارها، لعدم توفر الإسبيرات… ويؤكد د. عمار بان الحل الجذري يتمثل في وجود ماكينات جديدة… وأشار إلى وجود مساعي مبذولة في هذا الاتجاه… ويُضيف د. عمار: “هناك ماكينات جديدة تبرع بها خيرون، ولكن وصولها للمدينة صعب، بسبب الظروف الأمنية… وأضاف بأن هناك شح في مستهلكات الغسيل، مثل القساطر، والمحاليل الوريدية، ومضادات التجلط، لعدم وصولها بانتظام، لذات الأسباب المذكورة… وقد أدى احتجاز عربة محملة بهذه المستلزمات في منطقة أم روابة، قبل فترة، إلي توقُّف الغسيل بالنسبة للحالات الدورية، واستمراره للحالات الطارئة، التي يعني عدم القيام بها فقدان الحياة حرفياً… ولكن وزارة الصحة اجتهدت في توصيل العربة، وتم حل المشكلة جزئياً.
ويشير د/ عمار، إلى أن الحالات المنتظمة في الغسيل، وفق الإمكانيات المشار إليها عددها 126 حالة، لكل مريض، غسلتين في الإسبوع، وهي ليست حالة مثالية، فالمريض يُفترض أن يغسل (3) مرّات في الإسبوع، لأن الغسيل هو البديل للكلى…كل هذذه وذاك، يُضاف إلى التدهور المريع في مجالات أخرى مرتبطة بالعملية العلاجية، مثل المياه الصالحة للغسيل، والتي يتم توفيرها من أمانة الحكومة، عبر عربة “تانكر” يدفع المركز تكاليف البنزين للمولّد الذي يرفع الماء، بينما تُوفر أمانة الحكومة سعر الجازولين للعربة… كما أن انقطاع الكهرباء المتواصل، يشكل معضلة كبيرة، لانتظام العمل، مع التدهور المريع، في شبكة الصرف الصحي، التي يؤكّد المدير العام للمركز، أنها – ربما – تعود إلى خلل في تصميم المباني…