تحقيقاتتقاريرسلايدر

الحرب تُدمّر التعليم، وبسببها تفرقت الأُسر، وتُمزقت العلاقات الاجتماعية

اليونيسف: الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023، في السودان، حرمت أكثر من 17 مليون طفل من الإلتحاق بالمدارس

الحرب تُدمّر التعليم، وبسببها تفرقت الأُسر، وتُمزقت العلاقات الاجتماعية

 

اليونيسف: الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023، في السودان، حرمت أكثر من 17 مليون طفل من الإلتحاق بالمدارس

خاص: سودانس ريبورترس

تقرير: أسعد أدهم الكامل

فقد تلاميذ وتلميذات ولاية ولاية الخرطوم – عدا محلية كرري –  فقدوا عامهم الدراسي الثاني علي التوالي، بسبب الحرب، بينما يتجه رصفاؤهم في ولاية الجزيرة، ومحلياتها المختلفة – عدا محليتي  المناقل و24 القرشي – لفقدان عامهم الثاني بسبب حرب 15 أبريل 2023 الكارثية، بين القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، التي دخلت ولاية الجزيرة في ديسمبر 2023م … وعقب إنضام أبوعاقلة كيكل إلى القوات المسلحة في أكتوبر 2024م، نفذت قوات الدعم السريع، هجمات واسعة النطاق، علي قري شرق الجزيرة وغربها، الأمر الذي ادّى إلى حالات نزوح قسري جماعي، من تلك القري، إلى ولايات نهر النيل، وكسلا، والقضارف، في ظل ظروف نزوحٍٍ أقل ما توصف به “كارثية”، وكانت إحصائيات سابقة، قد أكدت تضرر نحو 40% من المؤسسات التعليمية بالعاصمة السودانية الخرطوم، وتعرض الـ(60%) الأخرى للنهب، واستخدام مئات المدارس في أكثر من (9) ولايات كملاجئ للنازحين.

مشاهد من الخرطوم

وبحسب أنني مكثت بالخرطوم، لمدة شهرين من انطلاق الرصاصة الأولي للحرب، وحتي خروجي في أواخر يوينو 2023م، فقد كنت “شاهداً (شاف) كل حاجة”، لحياة الناس مع الحرب، وسط كارثة إنسانية، وقصف متواصل، حيث كانت أصوات الرصاص والدانات ليلاً ونهاراً، والطائرات تلقى بحممها على الأبرياء، والقنّاصة بأسلحتهم، في البنايات العالية، والشوارع تضج وتضيق بالإرتكازات، ونقاط التفتيش، والمعارك العنيفة، تدور بهدف  الإستيلاء على منطقة عسكرية، أو سكنية، أمّا أفراد طرفي الحرب، كل في منطقة سيطرته، فقد انخرطوا في قتل عشوائي للمدنيين، وإعتقالات طالت أناس أبرياء، ونهب للمنازل والممتلكات … هذه الوضعية فرضت فوضى، وحالات نهب واسعة، للمصانع والأسواق والمحلات التجارية، فارضة لغة السلاح، ولغة واسلوب الغاب محل القانون… فسادت لغة القوة، والعنف والترهيب، والتهجير القسري، لسكان الخرطوم، أفراداً وجماعات، هاربين من لعلعلة الرصاص، ودوي المدافع، وبراميل الطائرات، التي حصدت أرواح عزيزة … وبعد أقل من شهر من بداية الحرب، تفرقت الأُسر و تُمزقت العلاقات الاجتماعية، وتُقطعت أوصال العاصمة، وتوطّن الموت والرعب في أحيائها، في ظل إنقطاع الكهرباء، والماء، و الخدمات العامة الضرورية للناس، والمرافق والمؤسسات، والمستشفيات، ومع انهيار البنى التحتية، وخراب المباني، وتحطيم الجسور والكباري، وتفحُّم السيارات، والمجنزرات العسكرية، بالطرقات، وصعود ألسنة الدخان، وزخات مطر الرصاص، التى تركت آثارها في البنايات الخرصانية العالية.  هذه الصور تعكس حجم الدمار بالعاصمة، التي تعطلت مدارسها تماماً، فيما اصبح بعضها ثكنات لطرفي الحرب، وأُخري تم نهب أصولها، وأُفرغت من كل شيء.

الحال بالجزيرة:

عندما وصلتُ إلى ولاية الجزيرة،  كانت – وقتها – من أكبر الولايات، التي إستقبلت النازحين، الهاربين من جحيم الحرب بالخرطوم، ولقرب الجزيرة من العاصمة، تدفّقت أعداد “الوافدين” الذين كانوا يطلق عليهم هذا الإسم بالجزيرة، وذلك لأنّ بعضهم أقام مع أهله، وأخرين، إستاجروا لهم منازل منفصلة، والبعض أقام بالمدارس، التي أصبحت دوراً للإيواء… وبعد دخول الدعم السريع، إلى الجزيرة في ديسمبر 2023م، عادت بعض الأُسر في رحلة نزوح عكسية، مرة أُخري إلى الخرطوم، فيما واصل آخرون رحلاتهم إلى كسلا، والقضارف، وسنجة، قبل دخول الدعم السريع للمدينة العريقة … وأثناء تجوالي ببعض مدارس الجزيرة، فقد لاحظتُ حجم الضرر، الذي لحق بها، والدمار الذي طالها، بينما هجر المعلمون والمعلمات مدارسهم وقراهم، إذ فرّ كثيرٌ من المعلمين، تجنباً للعنف، بينما تعذّر على البعض الآخر، مواصلة التدريس، بسبب المخاوف من انعدام الأمن، أو نقص الحافز المادي، والمعنوي. … وهذا يفاقم من وجود الأزمة الطاحنة التى المّت بقطاع التعليم، كما فلا فرصه الضيقة أصلاً، إن كان هناك – أصلاً – أيّ نشاط تعليمي يُمارس في هذه البيئات، حيث تكبدت المدارس، ويلات النقص الحاد في الكفاءات التعليمية.

مناطق النزوح الجديدة:


التهجير القسري والجماعي لقري الجزيرة بسبب النزاع المسلّح، أجبر نحو مليون شخص على مغادرة منازلهم، ويعاني السكان المُهجّرون قسرياً من صعوبة الوصول إلى التعليم، في ولايات نهر النيل، وكسلا، والقضارف، التي صارت مدارسها مراكز للايواء، فضلا عن الصعوبات المالية التي تواجه النازحين… المعلوم أنّ
ولاية الجزيرة، بها ثمانى محليات، وهي الكاملين -الحصاحيصا- شرق الجزيرة – أُم القري- مدني الكبري- جنوب الجزيرة- المناقل – القرشي، ويقدرعدد القري بالولاية بأكثر(3000) قرية، والكنابي مايزيد عن(2150)، ويبلغ سكان الولاية أكثر من (5) مليون شخص، هذا، عدا النازحيين القادميين من الخرطوم …  وتوجد بالجزيرة (3774) روضة أطفال، أما مؤسسات التعليم الأساسي، فعددها (2477)، في حين يبلغ عدد مدارس المرحلة الثانوية 754 مدرسة، ويبلغ عدد المنتسبين، إلى التعليم العام النظامي، بولاية الجزيرة بمراحله الثلاث، حوالي (مليون) و(224) ألف طالب، أمّا عدد المعلمين في مرحلتي الأساس، والثانوي (الحكومي وغير الحكومي) فيبلغ (36) ألف، و(250 ) معلم… وفي العام 2017م ، أصدرت حكومة الولاية، قراراً قضي بتجميد (200) مدرسة ثانوية، وتحويل طلابها إلى مدارس أخري، بدعوي ضعف “تغذيتها”، وقلة عدد طلابها…. ويذكر أنّ التعليم النظامي، بدأ بالجزيرة في العام 1903 برفاعة، وود مدني، والكاملين، فيما لم يبدأ التعليم الثانوي النظامي، إلّا في العام 1940، بفتح مدرسة حنتوب الثانوية، ثم مدني الثانوية سنة 1956، وتوالى بعدها، انتشار المدارس في باقي مناطق الولاية.

أهداف التنمية المستدامة:

بحسب أهداف التنمية المستدامة، فأن تعطيل الدراسة بالجزيرة لأكثر من عام، يتناقض مع الهدف رقم (4) من أهداف التنمية المستدامة، الخاص بالتعليم الجيد، وكذلك الهدف (10)، الخاص بالحد من أوجه عدم المساواة، وأيضا الهدف (11) مُدن ومجتمعات محلية مستدامة…  وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد قالت: “إن الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023، في السودان، حرمت أكثر من 17 مليون طفل من الإلتحاق بالمدارس”، فيما يظل عشرات الآلاف من السودانيين محاصرين، في مناطق الصراع، لا سيما في العاصمة الخرطوم، مع شح الخدمات، وتفشي الأمراض، وانقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت… وقال ممثل اليونيسف في السودان شيلدون يات: “هناك حولي 17 مليون طفل خارج المدارس، بينهم عالقين في مناطق القتال، أو في مناطق توقّفت فيها العملية التعليمية، وآخرون إضطروا للفرار داخلياً، أو خارجياً، مع أسرهم”…. وأضاف “لم يتمكن سوى نحو 750 ألف منهم، من الإلتحاق بالمدارس”، كما أشار إلى أن واحداً من كل ثلاثة أطفال يعاني من سوء التغذية، في ذات الوقت، حذرت اليونيسف، من أن أكثر من 3.7 ملايين طفل، يواجهون خطر الموت، بسبب سوء التغذية الحاد… من جهتها، قالت منظمة (أطباء بلا حدود) إن واحداً من كل (6) أشخاص، تلقوا علاجاً في أحد مستشفياتها بالعاصمة الخرطوم، من إصابات بنيران القتال، كانوا من الأطفال… وفي ظل إغلاق المدارس في أكثر من ثلثي مناطق البلاد المتأثرة بالحرب، وفقدان الملايين حق الحصول على التعليم، يُحذِّر متابعون من عمليات تجنيد الأطفال، والزج بهم في أُتون المعارك المحتدمة، حيث تعرض بسبب الحرب، ملايين الأطفال، كما تعرّضوا لخطر فقدان حقهم في الحياة، والبقاء، والحماية، والتعليم، والصحة، والتنمية، بينما قالت الأمم المتحدة “إن الصراع في السودان أدّى إلى زيادة مروعة في العنف ضد الأطفال، مما يؤكد الحاجة إلى إتّخاذ تدابير حماية عاجلة وملموسة… وفي يونيو الماضي، وثّقت الأمم المتحدة، 2168 إنتهاكاً خطيراً ضد 1913 طفلاً، وشملت الإنتهاكات الأكثر انتشاراً، القتل بمعدل 1525 حالة، وتجنيد الأطفال، واستخدامهم في القتال، بنحو 277 حالة خلال عامٍ واحد.

تهجير القري:

وبدوره، قال مُعلّم بأحدي قري الجزيرة – فضل حجب أسمه لدواعي أمنية – في حديثه مع (سودانس ريبورتس) إنه كمعلم، لن يعود إلى مهنة التدريس مرة أُخري، وذلك لضعف المرتب، وعدم أهتمام الحكومة بالتعليم، وعدم الصرف عليه من الميزاينة العامة بشكل جيد، وأضاف أنه إستبدل مهنته إلى مزارع، بالرغم من قلة إنتاج الزراعة، في الموسمين الماضيين، بشقيهما الشتوي الصيفي، بسبب الحرب… وفي المقابل، قال عضو لجان مقاومة الحصاحيصا محمد فوزي في حديث خاص مع (سودانس ريبورترس) إنّ قري الجزيرة، شهدت تهجيراً واسع النطاق، لا سيما شرق الجزيرة، وتابع: “هنالك تهجير كامل للقري، كما حدث في شرق الجزيرة، وتهجير جزئي لقري بمحليتي الحصاحيصا والكاملين”… وفي وقت سابق، أعلن المتحدث باسم (لجنة المعلمين السودانيين)، سامي الباقر، في تصريحات إعلامية، رفض اللجنة لعملية فتح المدارس، في ظل الحرب القائمة… وقال: “إن فتح المدارس، دون استصحاب صرف رواتب المعلمين، وإخراج النازحين من المدارس، وتوفير أماكن تليق بهم، أمرٌ مرفوض”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى