الجزيرة: الحقول لم تعُد تشتعل قمحاً وقطناً !.
الحرب تُمثّل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد، وتدفعه نحو الهاوية، والإنهيار
كتب: أسعد أدهم الكامل
بحول العام 2025م، يُكمل (شيخ المشاريع الزراعية) مشروع الجزيرة والمناقل (100) عام علي تأسيسه، ولأول مرة، يخرج المشروع من دائرة الإنتاج، بسبب الحرب الكارثية، التي قضت علي الأخضر واليابس بالجزيرة، التي تغني لها أهلها (من أرض المحنة ومن قلب الجزيرة، برسل للمسافر، أشواقي الكتيرة)، و (فى الجزيرة، نزرع نتيرب، نحقق أملنا)، فتحولت حقول الجزيرة التي كانت “تشتعل قمحاً وقطناً”، إلى حقول للموت بسبب الحرب، وهجمات الدعم السريع، علي محلياتها وقراها الآمنه، التي نزح أهلها ومزارعوها، “قسراً”، والذين تحوّلوا من منتجين زراعين، إلى مستهلكين، ونازحين… ونجد إن أهداف التنمية المستدامة، قد تحدثت عن الإستهلاك والإنتاج في الهدف (12)، بينما جرم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في المادة ٧ التي تتحدث عن جرائم ضد الإنسانية ،الفقرة (د) عدم تعريض المدنيين للمعاناة والمشاكل باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
نهب المحاصيل:
ويؤكّد عمر شاوراب من تفتيش ودحبوبة في حديثه مع (سودانس ريبورترس) إن المزارعين، منذ سقوط مدني في ديسمبر 2023م، تعرضوا لعمليات نهب لمحصولاتهم الزراعية، وتابع بالقول: (الموسم الزراعي الصيفي الحالي، مافي أيّ تراكتور للحراث والدسك ومافي كراكات لتطهير ونظافة الترع، وأنظمة الري، ومافي تقاوي وأسمدة، وهناك قري تم تهجيرها قسرياً بالكامل والحواشات أصبحت عباراة عن غابات بسبب أشجار العشر والمسكيت) … ومن جهته يقول علي جلوكا من تفتيش 24 القرشي، الذي يقع تحت سيطرة القوات المسلحة، في حديثه مع (سودانس ريبورترس): إنّ إنتاجية الموسم الصيفي، فاشلة، حيث بلغت إنتاجية مساحة (3) أفدنة مابين (10 الي 14) جوال ذرة وتابع قائلاً: (المساحات المزروعة محدودة جداً، بسبب إرتفاع قيمة العمليات الفلاحية والجازولين وغياب التراكتورات) وأضاف: غالبية المزارعين زرعوا أراضيهم في السراب القديم، ونحن – يقصد – أنّ حواشتهم، أو أرضهم الزراعية، تمت زراعتها في “السراب القديم”… وردّاً علي سؤال عن التجهيزات والتحضير للموسم الشتوي الحالي لزراعة محصولات القمح والكبكبي، قال علي: “مافي أيّ تحضيرات، والتكلفة عالية جداً، والأسمدة مرتفعة، وكذلك التقاوي، غير موجود، والتمويل، مافي من البنك للمزارعين” ويُضيف: “الترع والقنوات الخاصة بأنظمة الري، طمرها الطمي، وغطتها الحشائش، ومافي كراكات، لازالة الحشائش والطمي، ومن يزرع في هذا الموسم الشتوي، ستتعرض أرضه للعطش، بسبب عدم نظافة وتطهير أنظمة الري”.
إرتفاع التكاليف:
المزارع محسن النعمة، من تفتيش شندي بإمتداد المناقل، قال في حديثه لـ(سودانس ريبورترس): “إن المزارعين لديهم معاناة كبيرة، وإنتاجية الموسم الصيفي الحالي ضعفية جداً، تتفاوت إنتاجية الفدان الواحد مابين (2-3-4) جولات”، وتابع بالقول “الزراعة صفرية، مافي تحضير، وسماد، وتقاوي”)… وبشأن الموسم الشتوي الحالي، قال النعمة :”جالون الجاز للتحضير، يبلغ (25) ألف جنيه، و(الجركانة) الكبيرة (100) ألف جنيه، ويبلغ سعر جوال السماد ماركة الداب (90) ألف جنيه، وجوال السماد ماركة اليوريا (110) ألف جنيه، وتكلفة الحراث للأرض (100) ألف جنيه، والدسك (120) ألف جنيه، وليس هنالك تمويل من البنك للمزارعين”… وأشار النعمة إلى أن مساحة الثلاثة أفدنة تحتاج إلى (6) جوالات سماد يوريا، بمبلغ (660) ألف جنيه، وثلاثة جولات سماد داب بمبلغ (270) ألف جنيه، فضلا عن قيمة تحضير الأرض، وتكلفة نظافة الحشائش، وسداد ضريبة مياه ري المحصولات الزراعية”. من جهته، قال المزارع فاروق مضوي، من تفتيش التحاميد، الذي يقع تحت سيطرة القوات المسلحة، قال لـ(سودانس ريبورترس): “إن غالبية مزارعي قري محلية 24 القرشي، ولفشل الموسم الزراعي بسبب الحرب، وغياب التمويل، أصبحوا يعانون من شح في الغداء، وإرتفاع أسعار السلع الاستهلاكية”، وتابع بالقول: “المواطنون لا مال لديهم، لأنهم يعتمدوا على الزراعة، التي تناقصت، وفشلت العروة الصيفية”.
توقف الإنتاج الزراعي:
وفي حديثه لـ(سودانس ريبورترس) يقول الإقتصادي كمال كرار، “إن الحرب الكارثية، قضت علي الزراعة نهائيا بالجزيرة، التى أصبحت منطقة إشتباك وعمليات حربية”، وأوضح كمال: “قبل الحرب، كانت هنالك مشكلة في الزراعة، بالسودان، حيث رفعت الدولة يدها تماماً عن الزراعة، فيما يخص التمويل والتقاوي، والتحضير وتوفير الجازولين”.. ولفت كرار الإنتباه، إلى أن المساحات الزراعية المزروعة، أصبحت متناقصة، مع إرتفاع التكلفة، بصورة خرافية، لاسيما المبيدات، ومدخلات الإنتاج، وعندما إندلعت الحرب صارت الجزيرة منطقة عمليات فتشرد المزارعون، وصاروا نازحين، ومن تبقّى منهم بالجزيرة، لا يجدوا التمويل، من الإدارة، التي تشردت، وتمّ نهب أصول المشروع”… وتابع كمال كرار بالقول: “المساحات التي تمت زراعتها، علي قلتها، تم نهبها”… وأشار كمال، إلى أنه وبحسب إحصائيات تحالف المزارعين، فإنّ الأراضي التي تمت زراعتها في أقسام الجزيرة تبلغ 6% فقط، وفي أقسام المناقل 22%.. وقال كرار: “انّ مشروع الجزيرة والمناقل، خرج من دائرة الإنتاج الزراعي في الموسم الصيفي والشتوي تماماً بسبب الحرب”.. وتابع (لايستطيع المزارعون الموجودون بالجزيرة، زراعة أراضيهم الزراعية، بسبب هذه المخاطر الناجمة عن الحرب التي قضت علي الزراعة) .
التداعيات الاقتصادية:
وبدورها، قالت الأستاذة الجامعية، الدكتورة، بخيتة محمد عثمان، في مقال منشور لها بعنوان (التداعيات الإقتصادية للحرب)، “إنّ الحرب تمثل عبئا ثقيلاً على الاقتصاد، فهي تدفعه نحو الهاوية، والإنهيار”، حيث توقف النشاط الاقتصادي في أجزاء كبيرة من البلاد، والآن الاقتصاد السوداني يتعرض لمأساة حقيقية، إذ توقف 70% من النشاط الاقتصادي، وفوق ذلك تُقدّر تكلفة المعارك الضارية، بنحو نصف مليار دولار يومياً، مما ساهم في إستمرار معدلات النمو السالبة، حيث إنخفض معدل النمو الإقتصادي إلى ‐18,3%، وبلغت خسارة الناتج المحلي الإجمالي 151,1%… ونسبة لعدم المقدرة على دفع الرواتب بعد تدمير القطاع الخاص (مصانع، شركات وغيرها)، أعلنت كُبريات الشركات الاستغناء عن موظفيها، وتصفية أعمالها التجارية… هذه التحولات المتسارعة، تسببت في إرتفاع معدلات البطالة… وبحسب صندوق النقد الدولى، إرتفع مُعدّل البطالة إلى 47,2%، هذا إذا أضفنا إلى أن السودان من قبل الحرب يُصنف عالمياً من الدول ذات البطالة المرتفعة، والتي لم تستفيد من كوادرها، وخاصة الخريجين والخريجات، والضررأصاب – كذلك – صغار التُجّار والحرفيين والأسر المنتجة، خاصة القطاع غير المهيكل، حيث تتواجد النساء بنسب عالية، والمنتجين والمنتجات والمزارعين/ت، مما أثر على سلاسل الاقتصاد الكلي. وامتداد العمليات العسكرية إلى ولاية الجزيرة، وكردفان، بالإضافة لدارفور كولايات زراعية غنية، أثر على الإنتاج الزراعي في السودان، وتراجعت المساحة الزراعية لتصبح المحاصيل المزروعة 37% فقط، من إجمالي الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة، مما حدا ببرنامج الغذاء العالمي، أن يُحذّر من أن ( الحرب دفعت البلاد إلى شفير الجوع)، إذ تعاني الغالبية العظمي من السكان من الجوع … فصراع السودان، وتمدده، تسبب في تدهور كبير للإقتصاد المنهك، حيث خرجت غالبية قطاعات الإنتاج العامة، والخاصة، عن الخدمة، بسبب تعرُّضها لعمليات نهب وتدمير واسعة، فالخراب طال كبريات الشركات، والمصانع، والبنوك، وتدمرت البنية التحتية بشكل لم يسبق له مثيل.