تحقيقاتتحقيقاتتقاريرتقاريرسلايدر

الخرطوم بعد منتصف الليل … حياة تحت الأنقاض … الوضع لا يُحتمل، القصف لا يتوقف، والأطفال في حالة خوف دائم

أصبح الاعتماد الكلي على طعام (التكايا) هو المصدر الأساسي للغذاء، الذي يسُد الرمق، ولكنه، لا يُشبع من جوع، إنّما يعينهم – فقط - على البقاء على قيد الحياة !.

الخرطوم بعد منتصف الليل … حياة تحت الأنقاض … الوضع لا يُحتمل، القصف لا يتوقف، والأطفال في حالة خوف دائم

 

أصبح الاعتماد الكلي على طعام (التكايا) هو المصدر الأساسي للغذاء، الذي يسُد الرمق، ولكنه، لا يُشبع من جوع، إنّما يعينهم – فقط – على البقاء على قيد الحياة !.

 

تقرير: حسيبة سليمان – (خاص: سودانس ريبورترس) 

تعيش الخرطوم، في ساعات ما بعد منتصف الليل، تحت غطاء من الظلام الحالك، الذي يُغلِّف شوارعها الخاوية، عدا سماع أصوات القصف المتواصل، والانفجارات البعيدة، التي تملأ الأفق، تلتقطها آذان الصمت المكسور، فيما تختلط صرخات الألم، بالدموع والحزن … الحياة التي كانت تعج بالحيوية والنشاط، أصبحت الآن أطلالاً، وأحياء العاصمة السودانية، تشهد على حجم ونوع الخراب والمأساة!.

 

“أنا، هنا في الداخل، لا أستطيع الخروج، بسبب القصف العنيف”، تقول فاطمة، وهي أم لأربعة أطفال فى واحدٍ من أعرق أحياءأم درمان… وتضيف: “الوضع أصبح لا يُحتمل، القصف لا يتوقف، والأطفال في حالة خوف دائم”…. الشوارع التي كانت تضجُّ بالبائِعين، والمُتسوِّقين، صارت اليوم مُدنًا أشباحًا. وصرنا نشهدُ الحياةَ وسط الأنقاض، وكأنّها طقس يومي تفرضه الحرب على من بقي على من بقي على قيد الحياة.

في أحياء مثل البراري، بالخرطوم، أتى القصف على المباني، تاركًا السكان محاصرين بين الأنقاض، في ظروف لا إنسانية، حيث تفتقر العائلات، إلى أبسط مقومات الحياة، من مياهٍ وكهرباء… “نعيش في العتمة، ولا نعلم متى سينتهي هذا الكابوس”، يقول محمود، أحد سكان الخرطوم، وهو يصف واقعهم المرير، ويضيف: “حتى الطعام، أصبح سلعةً نادرة، ونحن نعيش على الفتات، الذي نتمكّن من الحصول عليه”.

لكن، هذه الصورة المأساوية، ليست محصورة في الخرطوم فقط، بل تمتد لتشمل مدناً أُخرى، تحولت إلى ساحات معركة … مع استمرار الحرب، يزداد الألم، وتتكاثر مآسي السودانيين، الذين يعيشون تحت وطأة الموت، أو الإصابة، فيما يظل الأمل ضئيلاً، في أن تنقضي هذه المعاناة قريباً.

تُعدُّ هذه الشهادات الحية، من قلب الخرطوم، مرآةً صادقة، تعكس حجم المعاناة اليومية، التي يواجهها المواطن السوداني، حيث يتحول كل يوم إلى معركة، للبقاء على قيد الحياة وسط الخراب .

أحياء الخرطوم الجنوبية

في الأحياء الجنوبية لمدينة الخرطوم، الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، يُعاني السكان من ظروف معيشية قاسية، تفوق الوصف والتصوّر، حيث يعتمد الكثيرون منهم على التحويلات الماليّة الضعيفة التي تأتي من الخارج، عبر شبكات مُعقدة، في أغلب الأحيان، ترتبط بقيادات الدعم السريع، ومع ذلك، يتم خصم 20%، من هذه (التحويلات) قبل وصولها إلى المستفيد، مما يُزيد من معاناتهم، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والمتردّية.

منذ انقطاع الكهرباء في مارس الماضي – (2024) – وارتفاع أسعار المياه المستخرجة من الآبار الجوفية، بسبب الاعتماد على مُولِّدات تعمل بالوقود، تبنَّت الأُسر أساليب حياة تقشُّفية… أصبح شراء الخبز، رفاهية بعيد المنال، حيث يعتمدون على صناعة “الكسرة” منزلياً، باستخدام دقيق الذرة، أو القمح. الطعام الذي توفره (التكايا)، الذي كان في الماضي، وجبةً واحدةً في اليوم، أصبح – الآن – مصدرًا أساسيًا للوجبات الثلاث، لكنه لا يتجاوز العدس، أو الأرز، مع قطع لحمٍ قليلة، في أحياء جنوب الخرطوم.

الوضع الصحي

فيما يخص الوضع الصحي، تفشّى وباء الكوليرا، وحمى الضنك، بشكل غير مسبوق، مما جعل مستشفى (بشاير)، الذي تُديره لجان المقاومة، ومنظمة (أطباء بلا حدود)، الملاذ الوحيد للمرضى… لكن، الأرقام الحقيقية للإصابات، والوفيات، تتجاوز بكثير، ما يصل إلى المستشفيات، إذ هناك الكثير من المرضى يتلقون العلاج في المنازل، أو يفارقوا الحياة، قبل أن يصلوا إلى المراكز الصحية.

 

الوضع الأمني

أما الوضع الأمني، فحدِّث ولا حرج… غياب الأمن، أصبح السمة الغالبة في المنطقة، حيث تتناثر عمليات القصف الجوي والمدفعي المتبادل، والسرقات الليلية والنهارية، ما جعل الحياة، في هذه الأحياء شبه مستحيلة… بعض السكان، لم يتمكنوا من مغادرة مناطقهم، بسبب “ضيق ذات اليد”، بينما فضّل آخرون، العودة إلى ديارهم، رغم المخاطر، بعد أن فُرضت فى المناطق التي نزحوا إليها، إيجارات منازلٍ باهظة، لا تُطاق.

كفاح من أجل البقاء

وسط هذا كله، يواصل المواطنون الكفاح للبقاء على قيد الحياة، يومًا بيوم، في ظل انهيارٍ كاملٍ للمنظومة الحياتية، وتفاقُم الفقر والعوز… حياتهم، أصبحت صراعاً مستمراً مع الجوع، والمرض، والخوف، ولا أمل يلوح، في الأفق، لوقف هذه المأساة الإنسانية المتصاعدة.

وفي مشهد أكثر قسوة، يُشير السكان إلى اختفاء كل مظاهر الحياة، حتى القطط والكلاب، اختفت من الشوارع، ويُقال إنّ الحيوانات قد ماتت جوعاً، بسبب ندرة الطعام والماء، بينما اختفت الطيور من الأشجار التي كانت تمثل رمزاً للحياة… يروِي مواطنون لـ(سودانس ريبورترس) أن السوق المركزي بالخرطوم والمحلات التجارية التي تحيط به، أصبحت شبه خالية من السلع، حتى تلك التي كانت قد تم “شفشفتها” – في وقت سابق – لتلبية احتياجات الناس تلاشت الآن. الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، باتت أقرب إلى الانهيار التام، وتظل الآمال في حياة أفضل بعيدة المنال، في ظل هذه المعاناة المستمرة.

تحدّيات صحية

الغالبية العُظمى من السكان في تلك الأحياء، يعتمدون على مهن هامشية، لا تسد احتياجاتهم الأساسية، ولا تغنيهم عن جوعهم، فالكثير منهم يعملون في وظائف يومية عابرة، أو أعمالٍ لا تُوفّر دخلاً ثابتاً، يكفي لتلبية متطلبات الحياة الضرورية. أصبح الاعتماد الكلي على طعام (التكايا) هو المصدر الأساسي للغذاء، الذي يسُد الرمق، ولكنه، لا يُشبع من جوع، إنّما يعينهم – فقط – على البقاء على قيد الحياة، ومع كل ذلك، فإنّ وجبات (التكايا)، تبقى غير كافية، لتلبية حاجاتهم الغذائية اليومية… حياة هؤلاء أصبحت معركة مستمرة مع الجوع، خاصّة مع حلول فصل الشتاء، حيث كل وجبة هي صراع للعيش، ولكنها لا توفر لهم “الشبع” أو القدر الكافي من الطعام، الذى تحتاجه أجسادهم المنهكة، بسبب الجوع والمرض والحرب.

التكايا 

طعام (التكايا)، الذي يعتمد عليه السكان، في الأحياء الجنوبية لمدينة الخرطوم، يتألّف غالباً من “البليلة” العدسية، أو العدس، أو الأرز، مع قطع قليلة من اللحم… ورغم أن هذه الوجبات توفر لهم الحد الأدنى من الغذاء، إلا أنها لا تُشبعهم، بشكل كافٍ. ومع اعتماد السُكّان الكلي على طعام (التكايا) لسد جوعهم، يبقى – هذا الطعام – الطعام، غير كافٍ لتلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية، بشكل كامل، مما يجعلهم يواجهون تحدِّيات صحية صعبة، بسبب نقص التغذية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى