فى (سوق الحَر) بالأُبيِّض: البضائع تُعرض في الهواء الطلق، بما فيها، اللحوم والعقاقير الطبية!
قطاع الطرق (الشفشافة)، يجوبون الصحراء، بالدرّاجات النارية، ويقطعون الطريق علي الشاحنات التي لا تلتزم بالتفويج
الأبيض: قرشي عوض
فى الأبيض، هناك سوق إسمه (سوق الحَر)، والذي يسمونه أيضا “سوق الشمس”، يعكس طبيعة إقتصاد الحرب، والظروف التي خلقتها، فى آليات الأسوق التقليدية … فالبضائع تُعرض في الهواء الطلق، بما فيها اللحوم والخضروات والعقاقير الطبية. وقد أغلقت المحلات التجارية المعروفة أبوابها، وتوقّفت شركات توريد السلع الغذائية. وإختفت تبعاً لذلك، المواصفات والمقاييس، وتاريخ الصلاحية، كما غاب قانون العرض والطلب… فالأسعار قد ترتفع فجأة، رغم وفرة البضائع، وقد تنخفض حتى في حالات الندرة، والشح، حيث هبطت أسعار السلع الضرورية، بشكل مفاجىء… في سوق الأبيض، انخفض – هذا الأسبوع – سعر “أردب” الفتريتة، من ٤٠٠ ألف جنيه، قبل شهر واحد، إلى ٢٢٠ الف جنيه، فيما انخفض سعر الأردب من الدخن، من٧٠٠ ألف جنيه، إلى ٣٦٠ ألف جنيه. أمّا أنواع الذرة الأخرى، فقد انخفض سعر الأردب منها من ٥٨٠ ألف إلى ٢٩٠ ألف جنيه، كما انخفض سعر جوال السكر من ١٨٠ ألف جنيه إلى ١٤٣ ألف جنيه، ورطل الشاي من ٥ آلاف جنيه إلى ٣ ألف جنيه، وصفيحة الزيت ٣٦ رطل من ٨٢ ألف جنيه، إلى ٦٥ ألف جنيه، وانخلفض سعر جوال الدقيق سعة ٢٥ كيلو، من ٧٥ ألف جنيه، إلى ٤٩الف جنيه، وجوال العدس سعة ٢٠ كيلو جرام، من ٩٥ ألف جنيه، إلى ٧٨ ألف جنيه.
ويعلق بعض المراقبين بأن هذا الانحدار في الأسعار، مفاجىء، ولا يتناسب مع ظروف الحصار التي تعيشها المدينة، التي تسببت في خلق نوع من الندرة، وارتفاع متسارع للأسعار، لكن، أحد التجار الذين سألناهم، قال إنها أسعار “لحظية”، ولانضمن استقرارها، في هذا الحد، وتحكمها ظروف على رأسها انخفاض القوة الشرائية، ويضيف بعض المراقبين، بالقول: عادةً يتم تحديد الأسعار حسب العرض والطلب، لكن، “إذا وجد التاجر أن السوق (مكشوف) رفع السعر أضعافاً مضاعفة”!.
وأرجع تاجر حبوب في سوق المحصول، تراجُع وانخفاض أسعار الحبوب، مع قلّة الوارد منها إلى السوق – لإنخفاض أسعار الدقيق المستورد، خاصة الأسترالي، إلى أكثر من النصف، فاتّجه المستهلك إليه، وترك الحبوب التي تسببت أحداث سنار، وسيطرة قوات الدعم السريع على طريق النيل الأبيض، على انخفاض انسيابها إلى أقل من ١٠٪ من الطاقة الاستيعابية للسوق، الذي يعتمد بشكل أساسي على العيوش والدخن القادمة من ولايتي القضارف والنيل الأزرق. ويقول اتاجر الحبوب، هناك سبب آخر، يتمثل في دخول عيوش محلية تُزرع في القرى المجاورة، مع أنها لاتفي بحاجة السوق.
المعروف أن إقليمي كردفان ودارفور، ينتجان الحبوب الزيتية، ويعتمدان في الحبوب الغذائية على أقاليم وسط السودان، خاصة القضارف، والتي تُغذي سوق غرب السودان، من حدود النيل الأبيض، حتى الحدود الليبية بـ(٧٠٪ ) من وارداته، في حين تأتي ٢٥٪ من مشاريع (هبيلة، وكورتالا) … وبما أن هذه المساحات الزراعية، لازالت غير آمنة، فليس هناك ضمانات كافية، لأن تستقر أسعار الحبوب في الحدود المتدنية، التي وصلت إليها. ولذلك فهي – تُعتبر – أسعار “لحظية” كما أسلف أحد التجار.
وربط تاجر آخر، ضعف القوى الشرائية الذي قاد إلى انخفاض أسعار السلع، وعدم الإقبال عليها، بعدم صرف المرتبات، طوال شهور الحرب، وصعوبات حرية حركة السلع، من وإلى مناطق الإنتاج، لأسباب أمنية، أو قرارات إدارية، حيث أصدرت حكومة الولاية، قرارات بأن لا تخرج البضائع إلى الأرياف، إلى جانب العراقيل التي تضعها قوات الدعم السريع، في الطرقات، من مصادرات وجبايات، وتعطيل حركة العربات، مما جعل التجار يحجمون عن نقل البضائع، إلى الريف، فتكدّست البضائع في المدينة، مما زاد المعروض منها، وقلل سعرها !. هذا، إلي جانب انسياب سلع من النيل الأبيض، عبر عقد “تفاهمات” مع قوات الدعم السريع، ودفع “أتاوات” عالية جداً.
بهذا التفسير، يعود عدم استقرار الأسعار في سوق مدينة محاصرة، لتأثيرات خلقتها الحرب. ويتوقع إقتصاديون أن تزول هذه الظاهرة – ضمن مظاهر كثيرة – بإنتهاء الحرب. فهناك تحوُّلات ملحوظة ألغت بظلالها علي النشاط التجاري، مثل ظهور تُجّار بقدرات مالية ليست كبيرة، نزحُوا من المدن، التي تعطّلت فيها التجارة، وبعضهم يحملون مؤهلات ودرجات علمية عالية، دخلوا السوق، وأخذوا يعرضون بضائعهم أمام المحلات التجارية المغلقة، في حين هاجرت الفئات التجارية القديمة، إلى مدن الدبّة، وبورتسودان، وغيرها من المدن السودانية، وبعضهم استقروا في مصر والخليج، ويقول الإقتصاديون الذين استطلعتهم (سوادن ريبورترس): أن التجار الجُدد، أغلبيتهم موظفين ومعلمين سابقين، وأصحاب درجات عليا في السلم الوظيفي، ويتحصّلون علي البضائع، من قدامى التجار، والقادمين من المدن الأخرى، وبعضهم كانوا وكلاء شركات تجارية كبرى، في مدنهم، اختاروا “المجازفة” بإدخال السلع للمدينة، فظهرت طبقة من أثرياء الحرب.
وأرجع بعض التجار، تقلُّب الأسعار إلى أنّ السلع، تدخل بطرق تنطوي علي قدرٍ عالي من “المجازفة”، بوسيلة النقل، وبالروح أحياناً، ولذلك، يطلُب التجار المورّدون أسعاراً عالية، نتيجة المغامرة التي يقومون بها، ولكنهم، في مرات عديدة يصطدِمون بعدم الإقبال عليها، مما يدفعهم إلى خفض السعر.
ورغم أن هناك سلع تدخل من جنوب السودان، مثل الأدوية، التي يتم عرض بعضها فى (سوق الحر)، إلى جانب مُنتجات محلية، تُعتبر مدينة الدبّة فى الشمال، المغذِّي الرئيسي لسوق الأبيض بالسلع، والتي تدخل إلى الإقليم عن طريق حماية قبائل بعينها مثل (الكبابيش والهواوير والبزعة) – وفق تلميحات أدلى بها بعض المراقبين – وبتفاهمات مع قوات الدعم السريع، وأحيانا يدخل حملة البضاعة، في مواجهات مع قطاع الطرق (الشفشافة)، الذين يجوبون الصحراء، بالدراجات النارية، ويقطعون الطريق علي الشاحنات التي لا تلتزم بالتفويج، وهذا مؤشّر إضافي إلى أنّ البضاعة المعروضة في السوق، يتحدد سعرها حسب حمولة الناقلات التي تمت مصادرتها، أو سرقتها في الطريق.