تقاريرتقاريرسلايدر

“هل سنموت مشردين؟”… النازحون في السودان بين جبهات الحرب وجشع السوق

جشع تُجّار الحروب من أصحاب العقارات، نما، وترعرع، وتطاول فى البنيان

 

هل سنموت مشردين؟”… النازحون في السودان بين جبهات الحرب وجشع السوق

جشع تُجّار الحروب من أصحاب العقارات، نما، وترعرع، وتطاول فى البنيان

 

تقرير – حسيبة سليمان         خاص وحصري لـ(سودانس ريبورترس)

بينما كانت مدافع الحرب الجائرة تدك الخرطوم، وتحوّلها إلى أطلال، فرّ أهلها الذين عجزوا عن البقاء، معتقدين أن الهروب إلى ولايات أكثر أماناً هو الحل، ولكنهم، فوجئوا بأنّ ما وجدوه، كان جحيماً آخر، حيث أصبح النازحون ضحايا حربٍ جديدة، حرب مع “تجار الأزمات”، الذين حولوا حاجتهم، إلى ملاذ من الموت، إلى سلعة تُباع بأغلى الأثمان.

من جحيم إلى جحيم

لقد قُوبِل ارتفاع قيمة إيجارات المنازل، بانتقادات حادة، ووجِّه اللوم، لأصحاب تلك المنازل، الذين لم يراعوا الظروف الاستثنائية العصيبة، التي تمُر بها الأسر النازحة… أولئك الذين تركوا كل شيء وراءهم، وفرّوا للنجاة بأنفسهم، من حجيم الحرب الطاحنة، لكنهم فُوجئوا بجحيمٍ من نوعٍ آخر.

 “هل أستأجر، أم أشتري وطناً؟” … تلك كانت كلمات صادقة، كتبها أحد النازحين، في إحدى منصّات التواصل الاجتماعي، متسائلًا بمرارة: “هل هذا إيجار، أم دفعات لشراء وطن لا يُباع؟”… وسخر آخر قائلاً: “بكرا  حيأجِّروا لنا الظل، تحت الشجر بالساعة”… وفي ظل هذه المعاناة، أصبحت معركة الإيجارات، أحد أسوأ التحديّات التي يواجهها النازحون.

مأساة وراء الأرقام

في مدينة عطبرة، بولاية نهر النيل، يحكي المواطن أشرف عبد الرحمن، الذي نجا من أتون الحرب في الخرطوم، قائلاً لــ(سودانس ريبورترس): “50 ألف جنيه لليوم الواحد، من أجل شقّة مفروشة، توقعت شيئاً مقبولاً، ولكنني، وجدت غُرفة شبه مدمرة، أسِرّة مُهترئة، ومطبخاً ضيقاً، يكاد لا يسع إناءً صغيراً، وحماماً يختصِر حياة الإنسان في زاوية ضيقة، والأكثر مرارة، لا ماء ولا كهرباء، وكأنّ الحرب لا تكتفي بتدمير البيوت، بل دمرت كل شيء حتى الأمل”… أمّا الغُرف المفروشة في الفنادق، في بعض المدن، فلا تقل عن 40 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل ميزانية أسرة صغيرة.

قفزات خيالية بلا مقابل

أمّا في مدينة شندي، بولاية نهر النيل، ما كان يُستأجر بـ(50) ألف جنيه، أو أقلّ، قبل الحرب، أصبح اليوم، يصل إلى 700 ألف جنيه، بينما تُعرض الشِقق المفروشة، بمليون جنيه سوداني، ولا يكاد أحد يشعُر بالتغيّر، سوى في جيبه الفارغ… ورُغم الأسعار الفلكيّة، لا تزال “مياه الفقر” تُلاحق الجميع، ولا ماء يروي عطش النازحين، ولا كهرباء تضيء شوارعهم… في هذه المدن، لا يبدو أن الحياةَ، هي مجرد تحدٍّ، بل، معركة يومية لا تنتهي.

تجار الأزمات”… الطمع الذي ينهش الناجين

في ظل هذه الأوضاع، يراها البعض حرباً جديدة، حرب الجشع، والطمع، حربٌ على من لا خيار لهم، سوى دفع الثمن الباهظ… يقول أحد النازحين لــ(سودانس ريبورترس): “هربنا من سلاح الحرب، لنجد أنفسنا أمام سلاح آخر، سلاح الجشع”… من جانب آخر، يُبرّر أصحاب المنازل، هذه الأسعار باختلال الوضع الاقتصادي، ويؤكِّدون أن العوامل الإقليمية، والمخاطر الأمنية، هي التي دفعتهم لرفع الأسعار. وبينما يُعبِّر البعض عن معاناتهم، يبقى السؤال الأكبر: “هل سنموت مشردين، بين جبهات الحرب وجشع الأسواق؟”.

النازحون في بورتسودان… بين فكّي الحرب وجشع الأسواق

في مدينة بورتسودان، “العاصمة المؤقتة” كما يحلو للبعض تسميتها، يواجه النازحون واقعًا مريراً، حيث باتت إيجارات المنازل، عبئاً ثقيلاً يُثقل كاهلهم… ما كان يُستأجر بـ(100) ألف جنيه، أصبح اليوم، لا يقل عن 700 ألف جنيه، وأحيانًا يصل إلى مليون جنيه، أو أكثر… وعند السؤال عن السبب، يُقال لك “العرض قليل، والعملاء لا يتوقّفون عن الطلب”… في قلب هذه المدينة المزدحمة، لا يتوقف الألم عن النمو، حيث أصبح توافر المياه والكهرباء أشبه بمأساة نادرة، خاصة في أشهر الصيف.

يقول أحد المواطنين في بورتسودان: “الإيجارات ارتفعت بشكل جنوني، ونحن أصلاً نعيش على فتات الأمل”. كيف لعائلة كبيرة أن تدفع 800 ألف جنيه شهرياً، بينما لا يتجاوز دخلهم 500 ألف جنيه ؟”. وأضاف أنّهم في البداية، حاولوا الاستقرار في مدينة ود مدني، لكنهم، اُضطروا للانتقال إلى بورتسودان، بسبب الاضطرابات الأمنية، بعد اجتياح قوات الدعم السريع، لولاية الجزيرة، في ديسمبر الماضي… في بورتسودان، كان النزوح، هو السعي الأخير للنجاة، من جحيم الخرطوم، لكن يبدو أن الحرب الجديدة، لا تبالي بالنازحين.

حكايات بورتسودان تتواصل

ويستمر العديد من النازحين في الحديث عن معاناتهم في بورتسودان، حيث يتحدث أحدهم قائلاً: “من الحروب التي نراها اليوم، تجد أن الحروب التي يشنها أصحاب العقارات على النازحين، هي الأكثر شراسة”… ورغم الوعود بالاستقرار، يبدو أن الظروف تزداد سوءاً، بل إن البعض بدأ يتحدث عن المستقبل بأسلوب ساخرٍ و”فكِه”، مثل: “إذا استمر الوضع هكذا، سيكون لدينا، جيش آخر، من النازحين، يمتلكون فقط، أحلامًا كبيرة، ولكن خزائن فارغة”.

وفيما يبدو، أن مأساة الإيجارات تؤثِّر على كافة فئات المجتمع السوداني، يقول محمود ياسر، أحد أصحاب شركات إستيراد الأجهزة الطبية والأدوية لــ(سودانس ريبورترس): “نستأجر بحي المطار في بورتسودان، بمبلغ ثمانية آلاف دولار أمريكي، كمسكنٍ، ومقر، لإدارة أنشطتنا، وبمقارنة بسيطة يمكننا استئجار مبنى أكثر فخامة، في أي عاصمة عربية، أو أفريقية، بأقل من هذا المبلغ بكثير”… هذا يُؤكد أن هناك جشعاً شديداً من أصحاب العقارات في بورتسودان، قد نما، وترعرع، بل، وتطاول فى البنيان.

النازحون بين الحرب والجشع

لا يجد النازحون إجابة واحدة على سؤالهم: “هل سينتهي هذا الكابوس قريباً؟” “.. وهل سنموت مشردين في زمن الصراع المسلّح هذا؟” … هو سؤال، يبقى عالقاً في الأذهان، لأنّ في السودان اليوم، ليس السلاح، هو وحده الذي يقتل، بل جشع السوق، وتُجّار الأزمات والحروب الذي لا يرحم.

*الصورة من الإنترنيت 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى