الرأيالسودانتقاريرتقاريرسلايدرصحافة حقوق الانسان

آثار حرب 15 أبريل الكارثية على العمال وإطالة أمد معاناتهم

الحُروب المستمرة، تُشكّل أحد أبرز العوامل التي أدت إلى تدهور الظروف المعيشية للعمال

 

 

آثار حرب 15 أبريل الكارثية على العمال وإطالة أمد معاناتهم

الحُروب المستمرة، تُشكّل أحد أبرز العوامل التي أدت إلى تدهور الظروف المعيشية للعمال

 

كتب: محمد نيوتن      خاص (سودانس ريبورترس)

تُعد الحروب من أكثر الظواهر التي تؤثّر بشكل كبير على حياة العمال، في مختلف أنحاء العالم، ونرى كيف تُدمّر الحروب الأمل والحلم في حياة العمال، مما يؤدي إلى تدهور أوضاعهم المعيشية، وزيادة معاناتهم… فالحرب تتسبّب في إحداث تغييرات جذرية في حياة العمال، على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والصحي، حيث تُساهم الحروب بشكل كبير في تدهور الاقتصاد، فتقوم بتعطيل الإنتاج، وتدمير البنية التحتية، مما يؤدي إلى فقدان فرص العمل، وارتفاع معدلات البطالة، ويفقد العمال مصادر دخلهم، ويجدون أنفسهم في مواجهة الفقر، وتزيد الحرب وآثارها حالات التفكك الاجتماعي، وتنشر الفوضى والانقسامات، مما يؤثر على الروابط الاجتماعية، ويضعف الثقة بين الأفراد، والمجتمعات، وتعطيل نظم الرعاية الصحية، ما يؤدي إلى زيادة المرض والإعاقة وارتفاع معدلات الوفيات.

 وتترك الحروب آثاراً عميقة على العمال، حيث يُعاني الكثير منهم من اضطرابات نفسية، نتيجة للتجارب الصادمة التي مرُّوا بها، مثل مشاهدة العُنف، أو فقدان الأحبّة. هذا الضغط النفسي يؤثر على قُدرة العمال على التركيز والإنتاجية، مما يؤثر على جودة حياتهم، بشكل كبير، فمن أبرز الآثار المباشرة  للحرب على العمال، في السودان، منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023، تعرُّض الملايين من السودانيين، للنزوح القسري، نتيجة للصراع المستمر، بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع.

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، بلغ عدد النازحين أكثر من 8.5 مليون شخص حتى الآن، منهم حوالي 1.8 مليون فرُّوا إلى دول مجاورة فى الإقليم، مثل جنوب السودان، وتشاد، ومصر، وإثيوبيا، وأوغندا، وكذلك كينيا… الوضع الإنساني في السودان يُعتبر من الأسرع تدهورًا على مستوى العالم، حيث أشارت التقارير، إلى أن أكثر من 7.4 مليون شخص، نزحوا داخلياً، بسبب النزاع المُسلّح.

المناطق الأكثر تضرراً، تشمل العاصمة الخرطوم، وإقليم دارفور، وولاية الجزيرة، حيث أدت الأعمال القتالية، إلى تدمير واسع للبنية التحتية، بما فى ذلك، المنازل، ممّا أجبر السكان على الهروب، بحثاً عن الأمان، حيث وجدت العديد من العائلات نفسها، مجبرة على ترك منازلها، ومناطقها الأصلية، ومراتع صباها، بحثًا عن الأمان، مما يعني فقدان مصادر رزقهم وأعمالهم. وأصبح العمال ممّن أجبرتهم الحرب على الفرار من مناطق عملهم، عرضة للبطالة والفقر المدقع، بالإضافة إلى فقدانهم لشبكات الدعم الاجتماعي التقليدية… فالسودان، يعيش منذ عقود في دوّامة من النزاعات المسلحة، والصراعات الأهلية، التي أثرت بعمق على مختلف جوانب الحياة اليومية، وبالأخص على العمال… وتعد الحُروب المستمرة، أحد أبرز العوامل التي أدت إلى تدهور الظروف المعيشية للعمال، فبينما يسعى هؤلاء الأشخاص، لكسب قوت يومهم، يجدون أنفسهم محاصرين، بين الفقر، وانعدام الأمن، وفقدان الفرص. وتسببت هذه الحرب في تدمير البنية التحتية الأساسية، التي يعتمد عليها العمال لأداء أعمالهم، من الطرق والجسور، إلى المرافق الحيوية، كالكهربا، والمياه… ونجد أن أكثر فئه تأثرت بالحرب، هي الفئات المحدودة الدخل، وأصحاب الدخل اليومي، والعمال، والحرفيين، والطبقات الدنيا في القطاع العام، والخاص، حيث أنّه في الفترة الأولى من الحرب، فشلت الدولة في دفع الرواتب للعمال، والموظفين، وكذلك سدّد بعض مُلّاك القطاع الخاص أول شهرين، ثم توقفت الرواتب، مما وضع مسؤولية كبيرة على كاهن العمال، ووجدوا أنفسهم أمام محك كبير، تجاه أسرهم، وأطفالهم، ولأنّ دخلهم ليس فيه “احتياطي” كافي، تسد احتجاجاتهم..  وهناك عمال عملهم مرتبط بالأجر اليومي، مثل الحدادين والسباكين وغيرهم من الحرفيين.

إنّ انهيار الدولة، أدّى إلى انهيار أعمالهم بشكل كامل، ومعظمهم حاول تغير طبيعة عمله، أو تغيير مهنته، حتى يُجابه الوضع الجديد، وبعد استمرار هذه الحرب، فهناك جزء من العمال تعرّض للابتزاز،  فأصبح مُجبر للعمل مع طرفي الحرب، حتى يستطيع أن يعمل ويحصل على المال، ليسد رمق أطفاله، وأصبح وقود للحرب نفسها… تعرض العمال للابتزاز الخاضع للعرق واللون بشكل مباشر، وبسبب شكل عدم التنمية غير المتوازنة…  وكانت الخرطوم، هي المركز والسوق الأكبر، في كل شئ، وانعكس إنتاج الولايات التي كانت تُصدِّر إلى الخرطوم، مما دعا أصحاب العمل، لتسريح العمال، نسبة لضعف الإنتاج، مضافاً،ـ الى التنافس، من العمال أصحاب الخبرة، الذين قدموا من الخرطوم، وانهيار النظام البنكي، الذي ترك أشكال في التمويل  لأصحاب العمل، مما أطّر لقفل العمل، أو استخدام عددٍ قليل من العمال،  ونجد أن كل المنشآت الصناعية الموجودة في الخرطوم، والمدن الأخرى التي طالتها الحرب، تمت استباحتها، ونهبها، وتدمير بنيتها التحتية، وقد نُهبت حتى المنتجات الجاهزة، كما نُهبت مخازن المواد الأولية ، مُضافاً إلى ذلك، فإنّ أجزاء من ماكينات الإنتاج، لم تسلم من ذلك، فضلاً عن احتراق مصانع بالكامل، بسبب القصف.

من جانب أخر، فإنّ العاملين في القطاع الخاص، استلموا خطابات ايقاف عن العمل في بداية الأمر، وبعدها وصلتهم خطابات فصل من العمل، مثل بعض العاملين فى قطاع البنوك، كبنك الخرطوم، وبنك فيصل، والشركات الغذائية،  ومنها شركة دال الغذائية، وأراك، وغيرها، ومن جانب آخر، فقد فقد الحرفيون في ولاية الخرطوم، اعمالهم، فهناك أكثر من ٢٧٠ مجمع ورش تجمع الحرفين وأعمال مختلفة، جميعهم فقدوا مصادر رزقهم، وهناك 550 مصنع،  توقف عن العمل، وعدد  ٣٢٠٠ محل ورشة صغيرة، نُهبت بالكامل، هذا على مستوى ولاية الخرطوم حيث تتركز المصانع، والورش، كما أصبحت موانئ الترحيل البريء خارج الخدمة…

وفى بلدٍ يعتمد عدد كبير من العمال فيه على الزراعة، كمصدر رئيسي للدخل، ومع تصاعد الصراعات المسلحة، تتعرض الأراضي الزراعية للتدمير، ويتم تجنيد العمال قسرياً، للقتال، أو إجبارهم على ترك مزارعهم… هذا الوضع، لا يؤدي إلى فقدان الدخل، فحسب، بل، يؤثر أيضًا على الأمن الغذائي في البلاد، مما يُفاقم من حدة الأزمة الإنسانية، وهناك توقُّعات بكساد محصول الذرة، في ولاية القضارف، بسبب توقُّف مصانع الإنتاج الحيواني، في الخرطوم.

 ويُعاني الباعة المتجولين، و”الفِرِّيشة”، بسبب الاشتباه والتمييز العنصري، من طرفي النزاع ضدّهم، فضاقت بهم، وعليهم، سُبل رزقهم والحياة الكريمة، وهم يعتمدون على هذا العمل،  للعيش الكريم… فى جانب آخر، وصل الدمار في مرافق القطاع العام، مدىً واسعاً، وكمثال أصبحت السكة حديد، تعتمد على تأجير مرافقها، وعقاراتها، فتم تأجير المسبك، وورشة الأكسجين، وقد توقّفت خطوط السكة حديد، من عطبرة، إلى الخرطوم، ومدني، وكوستي، والأبيض، والرهد، ونيالا، أمّا خط عطبرة حلفا، فهو يحتاج  إلى صيانة،  هذا إضافة إلى خروج عدد كبير من المصانع من الإنتاج، وتشريد العاملين بها، فاصبحوا بلا موارد للرزق، وتراجعت مصانع الأسمنت في انتاجها، الى أقلّ من 50%،  إضافة إلى عجز الدولة “الحكومة”، عن دفع استحقاقات العاملين، في مناطق سيطرتها، وحتّى في الولايات الآمنة، لم يسلم العمال من ويلات الحرب، فنجد الذين يعلمون في القطاع العام،  يُعانون من ضعف المرتبات، مُضافاً إلى أنّها تصل متأخرة، إن هي وصلت، والبعض، لا يصلهم الراتب الشهري بانتظام، وهناك هبوط العملة المحلية، يوماً بعد يوم، وقد اعترف وزير المالية بأن التضخم، وصل ٣٠٠ ٪؜، وفي نهاية العام سيصل ٤٥٠٪؜ ، علماً بأنّ الدولة تدفع نحو 60%، من الرواتب، لعدد من القطاعات، وأن بعضها توقف الدفع له، منذ أشهر، من بينها قطاع التعليم…  وقالت لجنة المعلمين في بيان لها إن معلّمي السودان، يعانون من تمييز، في صرف المرتبات، وإن بعض الولايات حصل المعلمون فيها، على رواتبهم خلال فترة الحرب، بينما الغالبية، لا تزال بلا مصدر دخل، ممّا يعكس سياسة التفضيل، والتمييز، التي تمارسها الحكومة، حسب تعبير اللجنة. وأكد بيان اللجنة على سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها قوات الدعم السريع، حيث يتعرّض المعلمون، وسكان المناطق المتضررة، للاضطهاد واجبارهم على النزوح القسري. ويقول معلّم معاشي إنّ مرتبات المعلمين شهدت تراجعا حادّاً، حيث كان مرتب المعلم في الدرجة الأولى يعادل 498 دولاراً، قبل الحرب، ولكن، بعد الزيادة التي أعقبت “إضراب المعلمين” أصبح يعادل 128 دولاراً فقط، بسبب تراجع قيمة الجنيه.

وخلصت دراسة أعدتها لجنة المعلمين، إلى أن ثلاث ولايات – فقط – من أصل 18 ولاية سودانية، نال المعلِّمون فيها جزءاً من مرتباتهم، منذ اندلاع الحرب، وعلى رأس هذه الولايات،  ولاية البحر الأحمر، حيث إن المعلمين فيها، تلقوا مرتبات 11 شهراً من أصل 12 شهراً. وتوقّف التعليم في السودان، منذ اندلاع الحرب فى أبريل 2023، مما يُنذر بكارثة كبرى… ووفقاً، لتقديرات (اليونيسيف)، فإن 5 ملايين طفل أصبحوا خارج مقاعد الدراسة.

 من جهةٍ أُخرى، قالت لجنة الأطباء، إنّ الأطباء يعملون في ظروف لا إنسانية، فقد حُرموا من رواتبهم، وحقوقهم المالية الأُخري، في الوقت الذي يواصلون فيه عملهم بتفانٍ ومسؤولية عالية، وتجرُّد أنساني كبير، تقديراً لظروف المرضى. وتشير العديد من التقارير إلى أن معاناة الكوادر الطبية، لم تتوقف عند حرمانهم من مستحقاتهم المالية، لكنهم، يجابهون مخاطر أمنية واسعة، فهم في خط النار الأول، وفقد العديد من زملائهم أرواحهم، بسبب هذه الحرب.

في ظل مواجهة كل هذه التحديات العصيبة، تلعب منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، دوراً هامّاً وكبيراً في تقديم الدعم والمساعدة للعمال المتضررين، من خلال توفير الإغاثة الإنسانية الطارئة، وتقديم البرامج التدريبية والتأهيلية، وتسعى هذه المنظمات إلى إعادة دمج العمال في سوق العمل، ومساعدتهم، على إعادة بناء حياتهم التى دمرتها الحرب… فى هذه الظروف والأوضاع بالغة التعقيد، يجب تعزيز الجهود أكثر، لتحقيق السلام الدائم، والاستقرار السياسي، مما سيساهم في إعادة بناء البنية التحتية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية. كما يجب على الحكومة والمنظمات الدولية توفير برامج دعم اقتصادي مباشر للعمال المتضررين، مثل القروض المُيسرّة والبرامج التدريبية، التي تساهم في إعادة بناء قدراتهم. وكذلك يجب الانتباه للمنظومة الاجتماعية، والترابط الأسري والاجتماعي، في السودان، ليلعب دوراً حيوياً في تخفيف آثار الحرب، على العمال في القطاعين العام والخاص. ففي ظل الأزمات والحروب، تصبح العلاقات الاجتماعية والأسرية، مصدراً هاماً للدعم النفسي، والمادي، فتوفر العائلة الدعم العاطفي الضروري، للعمال المتأثرين بالحرب، حيث تشكل العائلة الملاذ الآمن، الذي يمكن اللجوء إليه… تتجلّى قيم التكافل في مساعدة الأُسر لبعضها البعض مادياً، سواء من خلال المساعدات المالية المباشرة، أو من خلال تقديم الخدمات الضرورية، لتقوم المجتمعات المحلية، بإطلاق مُبادرات مُجتمعية تهدف إلى دعم الأسر المتضررة، مثل حملات التبرع، وتقديم الدعم اللوجستي، وكل هذا وذاك، يصب فى خانة مساعدة الأسرة، في الحفاظ على الهوية الثقافية، والقيم المجتمعية، التي تعزز من الصمود، والمقاومة في وجه الأزمات،  كما يوفر الأهل والإخوة الأكبر، توجيهاً وإرشاداً، يُساعد الأفراد على اتخاذ القرارات الصائبة، والتكيُّف مع الظروف الصعبة… كما تلعب المدارس، ودور العبادة،  دوراً في تعزيز الروابط الاجتماعية، وتقديم الدعم الروحي والمعنوي، ونهاك الدور الذي يجب أن تلعبه الصحافة، فى نشر الوعي، وتمليك الجمهور المعلومات والحقائق، ليمكّن الناس من اتخاذ قرارات صائبة بفضل دقّة ومصداقية المعلومات التى يتلقوتها من الصحافة والإعلام المستقل والحُر، فى مناخ إعلام الحرب، وخطاب الكراهية والمعلومات الكاذبة والمضلّلة التى ينشط فى بثّها ونشرها بكثافة الإعلام الموجّه المملوك لطرفي الحرب فى السودان.   

الصورة: من الإنترنت (راديو دبنقا) 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى